ما حكم التبرع بالدم وثوابه؟
لا مانع شرعًا من التبرع بالدم إذا اقتضت الضرورة ذلك، بشرط أن يكون مُحَقِّقًا لمصلحةٍ مُؤكدةٍ للإنسان، وألَّا يؤدي إلى ضررٍ على المتبرِّع كليًّا أو جزئيًّا، وأن يتحقق خُلُوُّه من الأمراض الضارة، وأن يكون كامل الأهلية.
وللمتبرِّع ثوابٌ عظيمٌ وجزاءٌ جزيلٌ على تبرعه هذا؛ لقوله تعالى: ﴿هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ﴾ [الرحمن: 60]، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ» رواه أبو داود وغيره.
المحتويات
إن الله سبحانه وتعالى كرم الإنسان وفضله على كثير من خلقه، ونهى عن ابْتِذَال ذاته ونفسه والتعدي على حُرُمَاتِه، وكان من مقاصد الشريعة الإسلامية حفظ النفس؛ يقول تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ﴾ [الإسراء: 70].
ومن مظاهر التكريم خَلْقُ اللهِ للإنسان في أحسن صورة وأجملها واعتبار ذلك نعمة من الله على الإنسان، فيجب على الإنسان أن يشكر الله عليها؛ يقول تعالى: ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ﴾ [التين: 4].
ومن مَظَاهِر تكريم الله للإنسان أنه اعتبر جسده أمانة ائتمنه عليها، فلا يجوز لأحدٍ أن يتصرف فيه بما يَسوءه أو يُرديه، حتى ولو كان هذا التصرف من صاحب هذا الجسم نفسه.
ولذا حَرَّمت الأديانُ السماويةُ والقوانينُ إتلافَ البدن وإزهاقَ الروح عن طريق الانتحار أو ما يؤدي إليه؛ يقول تعالى: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا﴾ [النساء: 29].
من مظاهر تكريم الله للإنسان أنه أمره بالاهتمام بإصلاح جسده ظاهرًا وباطنًا، وأمره باستعمال كل وسائل العلاج التي تُؤدي إلى شفائه من مرضه؛ فقد أخرج ابن ماجه في "سننه" عن أسامة بن شريك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «تدَاوَوْا عِبَادَ اللهِ؛ فَإِنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ لَمْ يَضَعْ دَاءً إِلا وَضَعَ مَعَهُ شِفَاءً إِلا الْهَرَمَ»، وفي رواية أخرى للطبراني: «إلا السام» أي الموت.
فالشريعة الإسلامية قد كرَّمت الإنسان تكريمًا عظيمًا، وأَمَرَتْهُ بالمحافظة على نفسه وجسده من كل ما يُهْلِكه أو يُسوءه، ونَهت عن قتله أو إنزال الأذى به؛ فلا يجوز له أن يتصرف في جسده تصرفًا يُؤدي إلى إهلاكه أو إتلافه؛ لأن كل إنسانٍ وإن كان صاحب إرادة - فيما يَتعلق بشخصه - إلا أنها مُقَيَّدة بالحدود التي شرعها الله تبارك وتعالى في قوله: ﴿وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ [البقرة: 195]، وقوله سبحانه: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا﴾ [النساء: 29].
والإنسان مُطالَبٌ بالمحافظة على بدنه وجميع أعضائه، والدم سائل حيوي من سوائل الجسم، وقد اقتضت طبيعته أن يكون عضوًا سائلًا متحركًا يَجري داخل أوردة الجسم وشُعَيْرَاتِه، فلا يُعرِّض نفسه لأي أذًى بأي حال من الأحوال.
التبرع بالدم إن كان يُنقذ إنسانًا من هلاك محقق وأقرَّ أهل الخبرة من الأطباء العدول أن ذلك لا يضر مَن تبرع، ولا يُؤثر على صحته وحياته وعمله، فلا مانع من الترخيص في ذلك إن خلا من الضرر، ويُعد ذلك من باب الإذن الشرعي الذي فيه إحياء للنفس التي أمر الله بإحيائها، ومن باب التضحية والإيثار، وهو ما أمر به القرآن: ﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [الحشر: 9].
وقياس ذلك إنقاذ الغَرْقَى والحَرْقى والهدمى مع احتمال الهلاك عند الإنقاذ، يقول تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى﴾ [المائدة: 2].
وبناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فإن التبرع بالدم لا مانع منه شرعًا، خاصة أن الدم عضو مُتجدد، بل دائم التجدد والتغير، وذلك بالضوابط والشروط الآتية:
1- وجود ضرورة قُصْوى عند التبرع، كأن يكون بعض الناس أو الأفراد في حاجة ماسة إلى كميات من الدم لإنقاذ حياتهم من الهلاك أو الإشراف على الهلاك؛ كالحوادث والكوارث والعمليات الجراحية.
2- أن يكون التبرع بالدم مُحَقِّقًا لمصلحة مُؤكدة للإنسان من الوجهة الطبية، ويَمنع عنه ضررًا مؤكدًا.
3- أن لا يؤدي التبرع بالدم إلى ضرر على المُتَبَرع كليًّا وجزئيًّا، أو يمنعه من مزاولة عمله في الحياة ماديًّا أو معنويًّا، أو يؤثر عليه سلبًا في الحال أو المآل بطرق مؤكدة من الناحية الطبية.
4- أن يتحقق بالطرق الطبية خلو المُتَبَرِّع بالدم من الأمراض الضارة بصحة الإنسان؛ لأنه لا يجوز شرعًا دفع الضرر بالضرر.
5- أن يكون المتبرع بالدم إنسانًا كامل الأهلية.
أما عن ثواب المتبرِّع فإن القادر الصحيح إذا أعطى الدم لمريض في حاجة ماسة إليه استحقَّ من الله تعالى ثواب ما أعطى وجزاء ما قدَّم بإنقاذه من مهلكة أو برفعة درجاته، أو بحط سيئاته؛ قال تعالى: ﴿هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ﴾ [الرحمن: 60]، وقال صلى الله عليه وآله وسلم: «الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لا يَظْلِمُهُ وَلا يُسْلِمُهُ، وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللهُ فِي حَاجَتِهِ، وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» رواه البخاري، وقال صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَمَنْ سَتَرَ عَلَى مُسْلِمٍ سَتَرَ اللهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَاللهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ» رواه أبو داود وابن ماجه والترمذي. ومما ذُكر يعلم الجواب.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
ما حكم إزالة غشاء البكارة لإجراء عملية جراحية؟ فطالبة بإحدى الجامعات بأمريكا وتبلغ من العمر ثلاثين عامًا ولم يسبق لها الزواج، دخلت إحدى المستشفيات للعلاج من ورم في رجلها اليمنى، وعند الكشف عليها وجد الأطباء أن لديها أورامًا غير معروفة داخل الرحم، الأمر الذي يتطلب إدخال آلة لأخذ عينات من هذه الأورام وتحليلها، وهذا يعني إجراء فحص داخلي مما يتسبب عنه إزالة غشاء البكارة، ولما امتنعت عن إتمام هذا الإجراء أخرجوها من المستشفى على أن تعود إليها في أقرب وقت لإجراء هذه الفحوص قبل أن يستفحل الأمر، وأشاروا عليها بإحضار أحد الأطباء المسلمين ليقف على أن هذا الفحص لازم للعلاج، ثم انتهت إلى السؤال عن: هل إجراء مثل هذه العملية من الناحية الدينية جائز أو يعتبر زنًا؟ وإذا جاز لها إجراء تلك العملية، فما هي الخطوات التي تتبعها ليعرف الأهل ما حدث؟
ما فكرة بنك العيون قبل قانون 274 لسنة 1959م؟ فنحن نرجوا بيان حكم الشريعة الإسلامية في الاستيلاء على عيون الموتى عقب وفاتهم وحفظها في بنك يسمى بنك العيون أسوة بحفظ الدم من الأحياء في بنك الدم. هل هو حرام أم حلال؟ وذلك لاستخدام هذه العيون في ترقيع القرنية لمن تحرقت قرنياتهم حديثًا أسوة بما يفعله الأطباء الآن ليعيدوا البصر إلى المكفوفين.
وبيان ما إذا كان الدين يمنع من صدور قانون يقضي بالاستيلاء على عيون الموتى لاستعمالها في تطبيب عيون الأحياء.
ما حكم استخدام السجائر الإلكترونية للتخلُّص من التَّدخين؟
ما مدى صحة الصيام في حال إجراء التصوير بالنوكليدات المُشِعَّة؟ حيث يقوم الأطباء بذلك عن طريق واحد من ثلاثة أمور: حقنة، أو غاز يستنشقه، أو شيء يبتلعه؟
ما حكم الشرع في القيام بإنشاء مركز أطفال الأنابيب؟
هل الأطراف الصناعية والأجهزة الخاصة بمرضى الشلل التي تُعطى مجانًا للفقراء والمحتاجين تُعتَبَر من الصدقة الجارية؟