ما هي المسافة المسموح بها في التباعد بين الصفوف في صلاة الجماعة، إذا لم يكن بين الصفوف فاصل؟
يصح شرعًا اقتداء المأموم بالإمام وإن بعدت المسافة بين الصفوف ما دام يتمكن من متابعة الإمام ويعلم حركاته؛ سواء برؤيته أو برؤية مَن وراءه، أو بسماعه للتكبير ولو مِن مبلِّغٍ عن الإمام، على أن المقاربة بين الصفوف مستحبةٌ وهي الأولى.
المحتويات
لصلاة الجماعة فضلٌ عظيمٌ كما ورد في سنة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وقد ورد في ذلك أحاديث كثيرة؛ منها ما رواه الإمام البخاري عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «صَلَاةُ الجَمَاعَةِ تَفْضُلُ صَلَاةَ الفَذِّ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً».
الصلاة في الصفوف المتقدمة أفضل من الصلاة في الصفوف المتأخرة؛ روى الإمام أحمد في "مسنده" وأبو داود والنسائي وابن ماجه في "سننهم" عن البراء بن عازب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِنَّ اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى الصُّفُوفِ الْأُوَلِ»، وعلى ذلك فأفضل الصفوف أقربها من الإمام.
كلما كثر العدد في صلاة الجماعة كان ذلك أفضل؛ روى الإمام أحمد في "مسنده" عن أبيّ بن كعب رضي الله عنه أنه قال: صَلَّى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم الْفَجْرَ، فَلَمَّا صَلَّى قَالَ: شَاهِدٌ فُلانٌ؟ فَسَكَتَ الْقَوْمُ، قَالُوا: نَعَمْ وَلَمْ يَحْضُرْ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّ أَثْقَلَ الصَّلَاةِ عَلَى الْمُنَافِقِينَ صَلَاةُ الْعِشَاءِ وَالْفَجْرِ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِيهِمَا لأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا، وَإِنَّ الصَّفَّ الأَوَّلَ عَلَى مِثْلِ صَفِّ الْمَلَائِكَةِ، وَلَوْ تَعْلَمُونَ فَضِيلَتَهُ لابْتَدَرْتُمُوهُ، إِنَّ صَلَاتَكَ مَعَ رَجُلَيْنِ أَزْكَى مِنْ صَلَاتِكَ مَعَ رَجُلٍ، وَصَلَاتَكَ مَعَ رَجُلٍ أَزْكَى مِنْ صَلَاتِكَ وَحْدَكَ، وَمَا كَثُرَ فَهُوَ أَحَبُّ إِلَى اللهِ تَعَالَى»، وروى الطبراني أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «صَلَاةُ الرَّجُلَيْنِ يَؤُمُّ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ أَزْكَى عِنْدَ اللهِ مِنْ صَلَاةِ أَرْبَعَةٍ تَتْرَى، وَصَلَاةُ أَرْبَعَةٍ يَؤُمُّهُمْ أَحَدُهُمْ أَزْكَى عِنْدُ اللهَ مِنْ صَلَاةِ ثَمَانِيَةٍ تَتْرَى، وَصَلَاةُ ثَمَانِيَةٍ يَؤُمُّهُمْ أَحَدُهُمْ أَزْكَى عِنْدَ اللهِ مِنْ صَلَاةِ مِائَةٍ تَتْرَى». و«تترى» أي: متفرقين، و«أزكى» أي: أفضل وأكثر أجرًا.
قد اتفق الفقهاء على جواز تباعد المسافة بين الصفوف، وأن المأموم يصح اقتداؤه بالإمام في المسجد وإن بعدت المسافة بينهما ما دام المأموم يعلم حركات الإمام.
قال العلامة الطحطاوي الحنفي في "حاشيته على مراقي الفلاح شرح نور الإيضاح" (ص: 293، ط. دار الكتب العلمية): [والفضاء الواسع في المسجد لا يمنع وإن وسع صفوفًا؛ لأن له حكم بقعة واحدة... فلو اقتدى بالإمام في أقصى المسجد والإمام في المحراب جاز] اهـ.
وقال القاضي أبو محمد عبد الوهاب بن علي بن نصر البغدادي المالكي في "الإشراف على نكت مسائل الخلاف" (1/ 301، ط. دار ابن حزم): [إذا صلوا بصلاة الإمام وبينهم نهر أو طريق قريب لا يمنعهم رؤية الصفوف وسماع التكبير جاز ولم يمنع ذلك الائتمام به] اهـ. فشرط المالكية أن يعلم المأموم بحركات الإمام، وهو ما يكون برؤيته للصفوف وسماع التكبير، وإذا كانت الصلاة في غير المسجد صحيحةً لعلم المأموم بحركات الإمام حيث يرى الصفوف ويسمع التكبير؛ فصحتها في المسجد أولى.
وقال العلامة شمس الدين الخطيب الشربيني الشافعي في "مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج" (1/ 495، ط. دار الكتب العلمية): [وإذا جمعهما مسجد صح الاقتداء وإن بعدت المسافة بينهما فيه] اهـ. وأراد بقوله: (جمعهما): الإمام والمأموم.
وقال العلامة البهوتي الحنبلي في "كشاف القناع عن متن الإقناع" (1/ 599، ط. دار الكتب العلمية): [(إذا كان المأموم يرى الإمام أو من وراءه وكانا في المسجد صحت) صلاة المأموم (ولو لم تتصل الصفوف)] اهـ.
أما خارج المسجد، فقد اختلف الفقهاء في المسافة بين الصفوف التي يصح معها الاقتداء:
فيرى الحنفية وجوب اتصال الصفوف، وأن المسافة بين صف وآخر إذا كانت قدر ما يسع صفين فأكثر، فإنها تمنع من صحة الاقتداء؛ قال العلامة كمال الدين محمد بن عبد الواحد السيواسي المعروف بابن الهمام في "فتح القدير" (1/ 382، ط. دار الفكر): [والمانع من الاقتداء في الفلاة خلاء يسع صفين] اهـ.
أما المالكية فلم يفرقوا بين المسجد وغيره؛ فيقولون بصحة الاقتداء إذا أمكن رؤية الإمام أو من وراءه أو سماع الإمام ولو بمسمع؛ قال العلامة محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقي المالكي في "حاشيته على الشرح الكبير" (1/ 337-338، ط. دار الفكر): [جاز الاقتداء بالإمام بسبب رؤية له أو لمأمومه... وإن لم يعرف عينه... كان بمسجد أو غيره، كان بينهما حائل أم لا] اهـ. وقال في موضع آخر (1/ 338): [وجاز مُسمع، أي: اتخاذه ونصبه ليسمع المأمومين، برفع صوته بالتكبير فيعلمون فعل الإمام، وجاز اقتداء به، أي: الاقتداء بالإمام؛ بسبب سماعه... أو اقتداء برؤية للإمام أو لمأمومه، وإن كان المأموم بدار والإمام بمسجد أو غيره] اهـ.
ويرى الشافعية صحة الاقتداء خارج المسجد ما دامت المسافة لم تتجاوز ثلاثمائة ذراع؛ قال العلامة الخطيب الشربيني في "مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج" (1/ 495): [ولو كانا؛ أي: الإمام والمأموم بفضاء، أي: مكان واسع؛ كصحراء، شرط أن لا يزيد ما بينهما على ثلاثمائة ذراع بذراع الآدمي] اهـ.
وقد اعتمد فقهاء الشافعية في تقديرهم للمسافة على عرف الناس حيث يعدونهما (أي: الإمام والمأموم) في ذلك مجتمعين، واستدلوا لما ذهبوا إليه بقرب ذلك وبعد ما وراءه في العادة، وأنه لم يرد ضابط من الشارع لذلك، وأن هذه المسافة هي ما بين الصفين في صلاة الخوف؛ لأن سهام العرب لا تجاوز ذلك في الغالب؛ قال العلامة الخطيب الشربيني في "مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج" (1/ 495-496): [لقرب ذلك وبعد ما وراءه في العادة...؛ لعدم ورود ضابط من الشارع...؛ لأن هذا التقدير مأخوذ من عرف الناس؛ وَهُم يعدونهما في ذلك مجتمعين، وقيل: ما بين الصفين في صلاة الخوف؛ إذ سهام العرب لا تجاوز ذلك غالبًا] اهـ.
واستدلوا كذلك لاعتمادهم على العرفِ في تقديرهم للمسافة: بأنه لم يرد لها ضابط في الشرع ولا في اللغة؛ قال العلامة الإمام جلال الدين السيوطي في "الأشباه والنظائر" (ص: 98، ط. دار الكتب العلمية): [قال الفقهاء: كل ما ورد به الشرع مطلقًا ولا ضابط له فيه ولا في اللغة، يرجع فيه إلى العرفِ] اهـ.
ويرى الحنابلة صحة الاقتداء ما دام المأموم يرى الإمام؛ قال العلامة البهوتي الحنبلي في "كشاف القناع عن متن الإقناع" (1/ 492): [ولا يشترط اتصال الصفوف لعدم الفارق فيما إذا كان خارج المسجد أيضًا... إذا حصلت الرؤية المعتبرة، وأمكن الاقتداء أي المتابعة ولو جاوز ما بينهما ثلاثمائة ذراع] اهـ.
وقد استدلوا بظاهر الحديث الذي رواه الإمام البخاري عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنها قالت: "كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يصلي من الليل وجدار الحجرة قصير، فرأى الناسُ شخصَ النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقام أناسٌ يصلّون بصلاته"، وظاهره: أنهم إنما كانوا يرونه في حال قيامه.
بناء على ذلك: فالمسافة بين الصفوف يرجع في تحديدها إلى العرف؛ لأن النصوص الشرعية في الكتاب والسنة لم تحددها بقدرٍ معيّن، وإن كانت المقاربة بين الصفوف مستحبة. وعلى هذا يصح الاقتداء بالإمام وإن بعدت المسافة بين الصفوف ما دام هذا البعد لا يمنع المأمومين من متابعة الإمام، فيعلمون حركات الإمام إما برؤيتهم له أو مَن وراءه، أو سماعهم للتكبير ولو مِن المبلِّغ عن الإمام.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
ما حكم قضاء الصلاة المتروكة عمدًا أو نسيانًا؟ فقد ابتُليَ شخص بالتقصير في الصلاة لفترة من الزمن متعمدًا وتاب إلى الله عز وجل ويريد أن يقضي ما فاته من الصلاة؛ ويسأل عن حكم قضاء هذه الصلاة. وهل يختلف الحكم إذا كان قد تركها لعذر؛ كنوم أو نسيان؟
ما حكم الصلاة في المساجد التي بها أضرحة؟
ما حكم الشرع الشريف فيما نفعله كل يوم بعد صلاة العشاء من:
قراءة سورة الإخلاص (5 مرات).
ثم نقول: أستغفر الله العظيم (5 مرات)، وبَعدَها الصلاةُ على النبي صلى الله عليه وآله وسلم (5 مرات).
ثم قراءة سورة الإخلاص (3 مرات).
ثم نقول: حسبي الله والنبي على كلِّ مُعتَدِي مِن العدُو والأَقْرَبِ (٣ مرات).
ثم الدعاء، وبعده قراءة سورة الفاتحة.
ما حكم صلاة الجمعة بأقل من أربعين في زمن الوباء؟
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أما بعد..
فإن من نوازل العصر ومتقلبات الأحوال: جائحة كورونا التي أصابت العالم بأسره، أسأل الله تعالى السلامة منه لجميع الناس.
وهذه الأزمة تجعل المتغيرات إلى المرونة والتمسك بيسر الدين الإسلامي وملامح رحمته ومحاسن تشريعه، فيما نقوم به من الطاعات كالجمعة والجماعة والتجمع لأداء العبادات والتباعد في الصفوف، وتقليل عدد التجمع في الأماكن العامة ودور العبادات.
وقد أعلنت وزارة الصحة التابعة لسيريلانكا والجهات المختصة بمنع التجمع بأكثر من خمسة وعشرين شخصًا في الأماكن العامة ودور العبادات، وفي إطار هذه الأزمة أفتت هيئة الإفتاء التابعة لجمعية علماء سيريلانكا بإقامة الجمعة في أماكن مختلفة، وذلك بناءً على جواز تعدد الجمعة في بلدٍ واحدٍ عند الحاجة في المذهب الشافعي.
ولكن لا يزال العلماء يناقشون مسألة التجمع بأقل من أربعين رجلًا في هذه الحالة الراهنة، علمًا بأن المعتمد في المذهب الشافعي أن الجمعة لا تنعقد إلا بأربعين رجلًا فأكثر، فاختلفت آراء العلماء على اتجاهين:
الاتجاه الأول: الإنكار بإقامة الجمعة بأقل من أربعين رجلًا؛ اعتمادًا على القول الراجح المعتمد في المذهب الشافعي، وتعليلًا بأن العدد غير مكتمل.
الاتجاه الثاني: تنفيذ إقامة الجمعة بالعدد المسموح؛ تعظيمًا لشعائر الله، ومراعاة للمصلحة الدينية.
وبينما هو كذلك قد عثرتُ على مخطوطٍ لعالم جليل وعلم من كبار علماء سيريلانكا، وركن من أركان علم الفلك، ومؤسس الكلية الحسنية العربية الشيخ العلامة عبد الصمد رحمه الله، الذي كان رئيسًا لجمعية علماء سيريلانكا فترة طويلة، وله عدة مؤلفات من المطبوع والمخطوط.
وقد ألف كتابًا في عام 1912م، بخطه وسماه بـ "ضوء الشرعة بعدد الجمعة"، وقد ناقش الأدلة والآراء ورجح القول بأن الجمعة لا تنعقد إلا بأربعين رجلًا فأكثر.
وما حاصله: وإذا كان أهل البلد أقل من الأربعين، فإن كانوا (الشافعية) بأربعة فصاعدًا وأرادوا تقليد الإمام أبي حنيفة في صحة الجمعة بأربعة، فيجوز أن يصلوا الجمعة إن قلدوه تقليدًا صحيحًا؛ بأن يحافظوا كلهم على جميع الشروط المعتبرة عنده، ولكنه تُسنّ إعادتها ظهرًا خروجًا من الخلاف القوي. وإذا أرادوا أن يعملوا باختيار بعض الأئمة الشافعية في صحة الجمعة بدون أربعين وصلوا الجمعة فلا بأس بذلك، ولكن يلزمهم أن يعيدوا الظهر بعدها لوجوب العمل بالراجح، فإن لم يعيدوا الظهر جماعة أو فرادى فينكر عليهم إنكارًا شديدًا.
أطلب من سماحتكم إبداء موقف دار الإفتاء في إعادة الظهر بعد الجمعة: هل هي لازمة إذا عملوا في هذه المسألة على المرجوح في المذهب الشافعي؟ أو هل هي مسنونة إذا قلدوا في هذه المسألة مذهب الحنفية أو المالكية حفاظًا على جميع شروطهم؟ ولكم جزيل الشكر ومن الله حسن الثواب.
ما حكم إذن الإمام لإقامة الجمعة؛ فيوجد ببلدنا مسجد كان قد تهدَّم بعض جوانبه، ولكن أجرينا تصليحه، وصار مسجدًا تامًّا صالحًا لإقامة صلاة الجمعة فيه. فهل تحتاج إقامة الجمعة إلى إذْن أو لا تحتاج؟ مع العلم بأنه يوجد بالبلد مسجد آخر تقام فيه صلاة الجمعة، ولكن لا يسع المكلفين من أهل البلد. أيَّدكم الله بروح من عنده.
أحيانًا أدخل المسجد وقد اكتمل الصف أو الصفان خلف الإمام، فمن أين نبدأ بناء الصف الجديد؛ هل من الوسط أم اليمين؟