ما حكم لعن المُعَيَّن المسلم أو الكافر؟
لعن المعيَّن سواء أكان مسلمًا عاصيًا أو غير عاصٍ أم كان كافرًا حرامٌ شرعًا، إلا مَن لعنه الشرع بخصوصه أو دلَّت النصوص الشرعية على أنه مات على الكفر أو يموت عليه؛ كأبي جهل وإبليس، وعلة التحريم أنه غير هؤلاء لا يعرف حاله وخاتمة أمره معرفة قطعية. أما إذا كان اللعن لا يتعلق بمُعَيَّن، وإنما يتعلق بنوعٍ ما قد لعنه الشرع من غير تعيين؛ كقول: ﴿لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ﴾؛ فهو جائز.
المحتويات
مادة: اللام والعين والنون أصل صحيح يدل على إبعاد وطرد، وإذا كان اللعن من الله تعالى فهو الإبعاد والطرد من الخير، وإذا كان من البشر فهو سبٌّ ودعاء. انظر: "معجم مقاييس اللغة" لابن فارس (5/ 252، ط. دار الفكر)، و"تاج العروس" للزبيدي (36/ 118، ط. دار الهداية).
قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (1/ 406، ط. دار المعرفة): [اللعن: وهو الدعاء بالإبعاد من رحمة الله تعالى] اهـ.
جاء في السنة الترهيب من اللعن بوجه عام، وبَيَّن النبي صلَّى الله عليه وآلهِ وسلَّم أن اللعن من الخصال المذمومة التي لا تعتبر من خصال المؤمن الحق؛ فروى أبو داود في "السنن" عن أبي الدرداء رضي الله عنه أن النبي صلَّى الله عليه وآلهِ وسلَّم قال: «إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا لَعَنَ شَيْئًا صَعِدَتِ اللَّعْنَةُ إِلَى السَّمَاءِ، فَتُغْلَقُ أَبْوَابُ السَّمَاءِ دُونَهَا، ثُمَّ تَهْبِطُ إِلَى الْأَرْضِ فَتُغْلَقُ أَبْوَابُهَا دُونَهَا، ثُمَّ تَأْخُذُ يَمِينًا وَشِمَالًا، فَإِذَا لَمْ تَجِدْ مَسَاغًا رَجَعَتْ إِلَى الَّذِي لُعِنَ، فَإِنْ كَانَ لِذَلِكَ أَهْلًا، وَإِلَّا رَجَعَتْ إِلَى قَائِلِهَا».
وروى عنه أيضًا أن النبي صلَّى الله عليه وآلهِ وسلَّم قال: «لَا يَكُونُ اللَّعَّانُونَ شُفَعَاءَ، وَلَا شُهَدَاءَ».
وروى أبو داود والترمذي في "سننهما" عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلَّى الله عليه وآلهِ وسلَّم قال: «مَنْ لَعَنَ شَيْئًا لَيْسَ لَهُ بِأَهْلٍ رَجَعَتِ اللَّعْنَةُ عَلَيْهِ».
ونهى النبي صلَّى الله عليه وآلهِ وسلَّم عن التلاعن؛ فروى أبو داود في "سننه" عن سَمُرَةَ بن جُنْدُبٍ رضي الله عنه، أن النبيّ صلَّى الله عليه وآلهِ وسلَّم قال: «لَا تَلَاعَنُوا بِلَعْنَةِ اللهِ، وَلَا بِغَضَبِ اللهِ، وَلَا بِالنَّارِ».
وروى أحمد في "مسنده" عن ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلَّى الله عليه وآلهِ وسلَّم: «لَيْسَ الْمُؤْمِنُ بِطَعَّانٍ، وَلَا بِلَعَّانٍ، وَلَا الْفَاحِشِ الْبَذِيءِ».
أما حكم اللعن: فمحل تفصيل؛ وذلك كما يلي:
أولا: إذا كان اللعن لا يتعلق بمُعَيَّن، وإنما كان متعلقًا بنوعٍ ما قد لعنه الشرع؛ كالكافر أو الفاسق أو الظالم: فهذا جائزٌ؛ كما قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ﴾ [البقرة: 161]، وقال تعالى: ﴿لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ﴾ [الأعراف: 44]، وقال تعالى: ﴿أَلَا لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ﴾ [هود: 18].
قال الإمام ابن حجر الهيتمي في "الزواجر عن اقتراف الكبائر" (2/ 96، ط. دار الفكر): [أما لعن غير المُعَيَّن بالشخص، وإنما عُيِّنَ بالوصف؛ بنحو: لعن الله الكاذب: فجائزٌ إجماعًا] اهـ.
ومع ذلك فإن النبي صلَّى الله عليه وآلهِ وسلَّم لما قيل له: ادْعُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ، قال: «إِنِّي لَمْ أُبْعَثْ لَعَّانًا، وَإِنَّمَا بُعِثْتُ رَحْمَةً» رواه مسلم في "الصحيح".
ثانيًا: إذا كان اللعن يتعلق بمُعَيَّن قد لعنه الشرع بخصوصه؛ كإبليس أو كأبي لهب: فإنه يجوز لعنه حينئذٍ.
قال العلامة ابن مفلح في "الآداب الشرعية": (1/ 277، ط. عالم الكتب): [يجوز لعن من ورد النص بلَعنِه، ولا يأثم عليه في تركه] اهـ.
ثالثًا: إذا كان المُعَيَّن هذا مسلمًا لم يتعلق به لعن من الشرع: فيحرم لعنه؛ لما رواه البخاري في "الصحيح" عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أن رجلًا على عهد النبي صلَّى الله عليه وآلهِ وسلَّم كان اسمه عبد الله، وكان يلقب حمارًا، وكان يُضحِكُ رسولَ الله صلَّى الله عليه وآلهِ وسلَّم، وكان النبي صلَّى الله عليه وآلهِ وسلَّم قد جَلَده في الشَّراب، فأُتِيَ به يومًا فأمر به فجلد، فقال رجلٌ من القوم: اللهم العنه، ما أكثر ما يؤتى به؟ فقال النبي صلَّى الله عليه وآلهِ وسلَّم: «لَا تَلْعَنُوهُ، فَوَاللهِ مَا عَلِمْتُ إِنَّهُ يُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ».
ولما رواه البخاري ومسلم في "الصحيحين" عن ثابت بن الضحاك رضي الله عنه أن النبي صلَّى الله عليه وآلهِ وسلَّم قال: «وَلَعْنُ المُؤْمِنِ كَقَتْلِهِ»؛ قال الإمام النووي في "شرح مسلم" (16/ 148-149، ط. دار إحياء التراث العربي): [لأن القاتل يقطعه عن منافع الدنيا، وهذا يقطعه عن نعيم الآخرة ورحمة الله تعالى، وقيل: معنى لعن المؤمن كقتله في الإثم، وهذا أظهر] اهـ.
وقال الإمام البجيرمي الشافعي في حاشيته على "الإقناع" (3/ 19، ط. دار الفكر): [ولعن المسلم المعيّن حرام بإجماع المسلمين] اهـ.
رابعًا: إذا كان المُعًيَّن من أصحاب الكفر أو المعاصي: فلا يجوز لعنه أيضًا؛ لما رواه الترمذي في "سننه" عن ابن عمر رضي الله عنهما، أن النبي صلَّى الله عليه وآلهِ وسلَّم قال يوم أُحد: «اللَّهُمَّ العَنْ أَبَا سُفْيَانَ، اللَّهُمَّ العَنِ الحَارِثَ بْنَ هِشَامٍ، اللَّهُمَّ العَنْ صَفْوَانَ بْنَ أُمَيَّةَ»، فنزلت: ﴿لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ﴾ [آل عمران: 128]، فتاب الله عليهم فأسلموا فحسن إسلامهم.
ولأن اللعن إبعادٌ عن رحمة الله، وهذا لا يجوز في حق مجهول العاقبة؛ قال الإمام النووي في "شرح مسلم" (2/ 67): [واتفق العلماء على تحريم اللعن؛ فإنه في اللغة: الإبعاد والطَّرد، وفي الشرع: الإبعاد من رحمة الله تعالى، فلا يجوز أن يبعد من رحمة الله تعالى من لا يعرف حاله وخاتمة أمره معرفة قطعية، فلهذا قالوا: لا يجوز لعن أحد بعينه مسلمًا كان أو كافرًا أو دابة، إلا مَن علمنا بنص شرعي أنه مات على الكفر أو يموت عليه؛ كأبي جهل وإبليس. وأما اللعن بالوصف فليس بحرام؛ كلعن الظالمين، والفاسقين، والكافرين، وغير ذلك مما جاءت به النصوص الشرعية بإطلاقه على الأوصاف، لا على الأعيان، والله أعلم] اهـ بتصرف.
اللعن إذا كان لا يتعلق بمُعَيَّن، وإنما يتعلق بنوعٍ ما قد لعنه الشرع، أو كان يتعلق بمُعَيَّن قد لعنه الشرع بخصوصه؛ فهو جائز، وأما إذا تعلق بمعيّن؛ سواء أكان ذلك المُعَيَّن مسلمًا -عاصيًا أو غير عاصٍ- أم كافرًا؛ فيحرم لعنه حينئذٍ.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
نرجو منكم بيان فضل مكة على غيرها من البلدان؟ ولماذا سميت بـ "أم القرى"؟
ما هو الثواب الذي أعده الله لمَن يعمل على إماطة الأذى عن طريق الناس ويقوم بذلك؟
تقول السائلة: تقدمت للحصول على عقد عمل بإحدى الدول، وكان من شروط الحصول على هذا العقد أن يكون المتقدم حاصلًا على شهادة "الماجستير"، ولم أكن حاصلة على هذه الشهادة، فقمت بتزويرها، وأنا أعمل بهذا العقد منذ ثلاث سنوات؛ فما حكم عملي؟ وما حكم المال الذي اكتسبته من هذا العمل؟
ما هو الحكم الشرعي في إقدام بعض الأفراد على اقتحام الحياة الخاصة للغير دون علمهم، وكشف الستر عنها بطرق مختلفة؛ مثل: تصويرهم بأدوات التصوير الحديثة، أو التلصّص البصري، أو استراق السمع، أو غير ذلك من الطرق، وبأيِّ وسيلة من الوسائل التي تستعمل لهذه الأغراض، والتشهير بها على منصات الإعلام الرقمي، أو مواقع التواصل الاجتماعي، أو غيرها؟
ما حكم الزواج بقصد الإنجاب في المختبر من دون جماع والطلاق بعده؟ فأنا امرأة تجاوزتُ الأربعين من عمري، وكنت قد مررتُ بتجربة زواج سابقة، ولم يتيسَّر لي أمر الإنجاب، وذلك لوجود مشكلة صحية تتعلق بأني لا أُطيق العلاقة الزوجية؛ حيث عانيتُ في بداية حياتي الزوجية من وجود بكتريا حادَّة تمنع من الاتصال الجنسي، وحينما ذهبنا إلى الأطباء أخبروني بوجود فيروس يسمى "فيروس الهربس البسيط"، وأن العَدوَى به تستمر مدى الحياة، وعادة ما تكثر عند حصول العلاقة، وكنت أُعالَج أنا وزوجي في وقت واحد، واستمررنا على ذلك 3 سنوات، وإن تحسن الوضع قليلًا سرعان ما يرجع مرة أُخرى، فلم يتحمل طليقي الأمر، واتفقنا على الانفصال، وأنا الآن تعرفت على رجلٍ ذي خلق، واتفقنا على الزواج على أن لا يحدث بيننا معاشرة، ولكن نجري عملية الحقن المجهري بقصد الإنجاب الذي حرمتُ منه طول العمر، وهو قد رضي بذلك، إلَّا أنه أخبرني بيني وبينه بأنه بعدما يتم الإنجاب سوف ننفصل، وتراضينا على ذلك وتزوجنا.
فما حكم هذا الزواج شرعًا؟ وهل يدخل ضمن تأقيت النكاح المنهيِّ عنه؟
مع العلم أننا لم نكتب ما اتفقنا عليه وتراضينا في عقد الزواج، ومعي التقارير الطبية التي تفيد حالتي المرضية. أفيدونا أفادكم الله.
ما حكم استخدام الوجوه (الصور) التعبيرية المنتشرة في المحادثات الموجودة على شبكات التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية؟