يقول السائل: أنا رجل أضارب في أسهم بعض الشركات من خلال البورصة، وربما أشتري الأسهم وأنتظر فترة طويلة حتى يرتفع سعر الأسهم ثم أبيعها، وقد يستمر الانتظار فترة طويلة بعد حلول الحول، وهو ما يجعلني مضطرًّا لتأجيل إخراج الزكاة حتى يتمّ بيع هذه الأسهم، فكيف أُخْرِج الزكاة في هذه الحالة؟
لا يجب عليك زكاة هذه الأسهم التي اشتريتَها إلَّا بعد بيعها ولو مَكَثت أكثر من حولٍ، فلو بيعت فيكون إخراج الزكاة في هذه الحالة لسنة واحدة فقط على ما هو الراجح من مذهب المالكية؛ إذ إنَّ الزكاة تجب في عين المال لا في الذمة؛ فلا تجب الزكاة في عروض التجارة حتى تتحوَّل إلى نقودٍ؛ لأنها –أي زكاة عروض التجارة- لا تجب في عينها، وإنما في قيمتها.
المحتويات
الصورة المسئول عنها تُعْرَف في مصطلح الفقهاء بـ"التَّربُّص"، ويُقْصَد به: شراء السلعة ثم حبسها عن البيع انتظارًا لارتفاع السوق، فتمكث البضاعة عند التاجر أعوامًا، وهو بهذا المعنى مُرَادِف للاحتكار.
وهذا المعنى الاصطلاحي للتَّربُّص مُلاحظٌ فيه المعنى اللغوي له؛ فالتربص بالشيء لغة: أن تتنظر به يومًا ما. والفعل منه: تربصت به، وهو الانتظار للخير أو الشر؛ ومنه قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَاللهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا﴾ [النساء: 141]، ومنه قوله تعالى: ﴿قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ﴾ [التوبة: 52]. ينظر: "مقاييس اللغة" لابن فارس (2/ 477، ط. دار الفكر)، و"لسان العرب" لابن منظور (7/ 29، ط. دار صادر).
وقد نَصَّ فقهاء المالكية على هذا المعنى الاصطلاحي السابق للتَّربُّص؛ فقال العلامة ابن رشد الجد في "المقدمات الممهدات" (1/ 285، ط. دار الغرب): [والتاجر ينقسم على قسمين: مدير، وغير مدير، فالمدير هو الذي يكثر بيعه وشراؤه ولا يقدر أن يضبط أحواله.. وأما غير المدير وهو المحتكر الذي يشتري السلع ويتربص بها النفاق] اهـ.
وقال الإمام ابن عبد البر في "الاستذكار" (3/ 167، ط. دار الكتب العلمية): [مذهب مالك وأصحابه أن التجارة تنقسم عندهم قسمين؛ أحدهما: رجل يبتاع السلع في حين رخصها ويرتاد نفاقها فيأتي عليه في ذلك العام والأعوام ولم يبع تلك السلعة وقد نوى التجارة بها.. والآخر: هو الذين يسمونه المدير، وهم أصحاب الحوانيت بالأسواق الذين يبتاعون السلع ويبيعون في كل يوم ما أمكنهم بيعه بما أمكن من قليل الناض وكثيره، ويشترون من جهة ويبيعون من جهة أخرى] اهـ.
وعلى ذلك: فما تفيده عبارات المالكية السابقة أَنَّ المتربص في باب الزكاة تكون سلعته ليست متاحة للبيع في الحال، وأَنَّ التجارة لديه لا تتقلب بين العروض والنقد في أثناء الحول، وأنَّه ينتظر تغير السعر في السوق، ولا يهدف البيع بالسعر الحالي للسوق.
ورغم اتفاق العلماء قاطبة على وجوب زكاة عروض التجارة بشرط حولان الحول؛ بحيث تجب زكاتها مع تمام الحول؛ وذلك على أساس التقليب في أثناء الحول بين العروض والنقد، أي: بالبيع والشراء؛ إلا أنهم اختلفوا في هذا النوع من التجارة الذي لا يحصل النماء فيها إلَّا بمرور السنين، وهو ما يعرف بـ"التاجر المتربِّص".
فيرى الجمهور من الحنفية والشافعية والحنابلة: أنه يجب على هذا التاجر مع مرور كلّ حول إخراج زكاته –أي: زكاة العروض- ما دامت السِّلَع في ملكه وقد تملَّكها بنية التجارة، ولو أقامت عنده سنين، فلم يفرق الجمهور بين التاجر المدير والمحتكر، فمتى مَلَك التاجر السلعة وكان في نيته بيعها؛ فعليه الزكاة لكل سنة بقيمتها، وإن لم تُبَع بالفعل، وهذا قول بعض المالكية أيضًا. ينظر: "رد المحتار لابن عابدين" (2/ 277، ط. دار الكتب العلمية)، و"تحفة المحتاج لابن حجر" (3/ 293، ط. دار الكتب العلمية)، و"المغني لابن قدامة" (2/ 338، ط. مكتبة القاهرة).
واستدلوا على ذلك بأن أحاديث وجوب الزكاة في العروض جاءت عامة بلا تخصيص للمتربص؛ ومن ذلك حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: "أمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن نخرج الصدقة ممَّا نُعدُّه للبيع". أخرجه أبو داود في "سننه"، والبيهقي في "السنن الكبرى".
فالحديث بعمومه يدخل فيه الـمُتربِّص وغيره؛ كما أَنَّ التفرقة بين الـمُتربِّص وغير الـمُتربِّص قول لم يُعْرَف عن أحد من الصحابة، يقول العلامة أبو عبيد في كتاب "الأموال" (ص: 522، ط. دار الفكر) استدلالًا على هذا القول: [والذي عندنا في ذلك ما يقول سفيان وأهل العراق أنه ليس بين ما ينضّ وما لا ينضّ فرق. على ذلك تواترت الأحاديث كلها عمن ذكرنا من الصحابة والتابعين، وإنما أجمعوا عن ضم ما في يديه من مال التجارة إلى سائر ماله النقد، فإذا بلغ ذلك ما تجب في مثله زكاة زكَّاه، وما علمنا أحدًا فرق ما بين النَّاض وغيره في الزكاة قبل مالك] اهـ.
كما أنَّ القول بعدم الوجوب للزكاة حال التربُّص فيه فتح لباب الحيل لإسقاط الزكاة؛ وفي ذلك يقول الإمام محمد بن الحسن في كتاب "الحجة" (1/ 473، ط. عالم الكتب): [ما في الأرض حيلة في ترك الزكاة مثل هذه، إن كان كما قال أهل المدينة يكون المال الكثير فيشتري به التجارات من العروض التي إذا تَربَّص بها الرجل إن زاد في ثمنها فهو يزيد سنة سنة في يده لتربصه وليس عليه فيه زكاة] اهـ.
بينما يرى المالكية أَنَّ التاجر الـمُتربِّص لا زكاة عليه في عروضه إلَّا بعد البيع، فإذا باعها زَكَّاها لسنة واحدة، ولو مكثت عنده أكثر من سنة؛ يقول العلامة الخرشي في "شرحه على خليل" (2/ 196، ط. دار الفكر): [(ص): وبيع بعين (ش): أي ومن شروط وجوب الزكاة في هذا العرض أن يبيعه بعين، وهذا عام في المدير والمحتكر كالشروط المتقدمة، لكن المحتكر لا بد أن يبيع بعين، وهي نصاب باع به في مرة أو مرتين فأكثر، وبعد كمال النصاب يزكي ما بيع به ولو قلّ والمدير ولو بدرهم، ولا فرق بين أن ينضّ له أول الحول، أو وسطه، أو آخره، ولا فرق بين أن يبقى ما نضّ أو يذهب، ولا فرق بين أن تكون المعاوضة اختيارية أو اضطرارية، كما إذا استهلك شخص للمدير أو المحتكر سلعة من سلع التجارة ودفع قيمتها له، وإليه أشار بقوله: (وإن لاستهلاك) واحترز به من البيع بعرض؛ فمَن باع العرض بمثله لا زكاة عليه إلا أن يفعل ذلك فرارًا من الزكاة] اهـ.
ودليلهم على ذلك حديث معاذ رضي الله عنه الذي في "الصحيحين" لما بعثه النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى اليمن؛ فقال: «فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً فِي أَمْوَالِهِمْ تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ وَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ».
فالحديث دال على أنَّ الزكاة إنما تجب في عين المال لا في الذمة، وزكاة العروض لا تجب في عين العروض، وإنما في قيمتها من النقود، فلا تجب زكاتها حتى تباع وتتحول إلى نقودٍ. ينظر: "الجامع لمسائل المدونة" (4/ 57، ط. جامعة أم القرى).
وقد نَقَل الإمام الباجي في "المنتقى" (2/ 116، ط. مطبعة السعادة) قول الإمام مالك: [قال مالك: الأمر عندنا فيما يدار من العروض للتجارات أن الرجل إذا صدق ماله ثم اشترى به عرضًا بزًّا أو رقيقًا أو ما أشبه ذلك ثم باعه قبل أن يحول عليه الحول من يوم أخرج زكاته؛ فإنه لا يؤدي من ذلك المال زكاة حتى يحول عليه الحول من يوم صدَّقه، وأنه إن لم يبع ذلك العرض سنين لم تجب عليه في شيء من ذلك العرض زكاة وإن طال زمانه؛ فإذا باعه فليس عليه فيه إلا زكاة واحدة] اهـ.
يضاف إلى ذلك: أَنَّ الحول الثاني إذا وَرَد على المتربِّص وماله عروض، ثم خرج الحول عنه وهو لا يزال عروضًا، فلم يكن لهذا الحول زكاة؛ وذلك لأنه لم يكن في أوله نقدًا كما كان في أول الحول الأول، وآخر الحول أحد طرفيه، فوجب أن يكون إيجاب الزكاة فيه معتبرًا بكونه نقدًا فيه كما في أوله؛ لأن الزكاة لا تتعلق بالعروض؛ فلا تلزمه إلا زكاة واحدة عند البيع. ينظر: "شرح الرسالة للقاضي عبد الوهاب" (1/ 383، ط. دار ابن حزم).
الذي نختاره للفتوى هو قول المالكية؛ فهو أقرب إلى قواعد الشريعة؛ إذ إنَّ الزكاة تجب في عين المال لا في الذمة؛ فلا تجب الزكاة في عروض التجارة حتى تتحوَّل إلى نقودٍ؛ لأنها –أي زكاة عروض التجارة- لا تجب في عينها، وإنما في قيمتها، كما أنَّ القاعدة في الزكاة أنها لا تكون سببَ نقصِ رأس مال الغني، فلو أوجبنا الزكاة على صاحب العروض –وهو لا يُديره- ربَّما أدَّى إلى إنقاص رأس ماله، فقد لا يُكافئ مقدار ربحه ما يُوجَب عليه من الزكاة كل حول، يضاف لذلك أنَّ جمهور الفقهاء جعلوا مناط الزكاة في العروض نية البيع عند الشراء، بينما فقهاء المالكية جعلوا مناط الزكاة فيها –أي: العروض- نية تقليب المال؛ وهذا هو مُدْرَك التسمية في التاجر المدير والتاجر المتربِّص؛ فقد سموا التاجر الذي يُقَلِّب المال مديرًا، والذي ينوي البيع فقط سموه متربَّصًا.
كما أَنَّ الحديث الذي استدل به الجمهور على قولهم ضعيف؛ لأنه من رواية جعفر بن سعد عن خبيب بن سليمان؛ وكلاهما مجهولان؛ فقد قال ابن حجر عن هذا الحديث في "التلخيص الحبير" (2/ 179، ط. دار الكتب العلمية): [في إسناده جهالة] اهـ.
يضاف لذلك أيضًا -وهو مما يؤيِّد مذهب المالكية- التفرقة بين البيع والتجارة؛ فجمهور فقهاء المذاهب الأربعة على أَنَّ التاجر إذا كان عنده سلعة للاقتناء؛ فنوى بيعها، فلا تنقلب عروض تجارة بهذه النية، فإذا بيعت ثم اشترى بثمنها عروض تجارة فهي عروض تجارة، أي لا تكون عروضًا إلَّا بالتقليب بالبيع.
على ما سبق وفي واقعة السؤال: فلا يجب عليك زكاة هذه الأسهم التي اشتريتَها إلَّا بعد بيعها ولو مَكَثت أكثر من حولٍ، فلو بيعت فيكون إخراج الزكاة في هذه الحالة لسنة واحدة فقط على ما هو الراجح من مذهب المالكية.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
ما حكم زكاة النقود الورقية؟ فقد سأل رجل في أوراق البنك نوت المتداولة في القُطر المصري؛ هل تجب فيها الزكاة؟ وهل هي من قبيل الدين، أو ملحقة بالعين؟ وهل إذا وجبت فيها الزكاة؛ تخرج الزكاة من عينها، أو من قيمتها ذهبًا أو فضة؟ أفيدوا بالجواب، ولكم الثواب.
سأل أحد المحضرين بمحكمة مصر الأهلية في رجل وصِيّ على ابن أخيه القاصر، بلغ ابن الأخ المذكور سفيهًا، ثم بعد ما بلغ عمره ثماني عشرة سنة ذهب إلى المجلس الحسبي وادَّعى أنه رشيد، وأتى بشاهدين شهدا له بحسن السير واستقامته، فبناءً على ذلك أثبت المجلس الحسبي رشده -على خلاف الواقع- بشهادة الشاهدين المذكورين، ثم إن الوصيّ المذكور اشترى منه ثمانية أفدنة وكسورًا بملبغ مائتي جنيه إنكليزي باسم ولده المراهق بغبن فاحش بالنسبة لثمن مثل الأطيان المذكورة، مع غروره لابن أخيه المذكور بقوله له: إن تلك الأطيان لا تساوي أكثر من ذلك، ولم يعطه من الثمن المذكور إلا خمسة عشر جنيهًا، ثم لمَّا علم بعض أقاربه بحالته التي اتصف بها ذهب إلى المجلس الحسبيّ وأوقع الحجر عليه رسميًّا، فهل هذا البيع الصادر من الولد المذكور يكون فاسدًا ويجب فسخه حيث كان بغبن فاحش مع التغرير، خصوصًا وقد أثبت بعض أقاربه الحجر عليه بعد ذلك؟ وهل إذا علم الوصي قبل الحجر عليه بسفهه لا يجوز تسليمه أمواله؟ أفيدوا الجواب ولفضيلتكم الأجر والثواب. أفندم.
هل يجوز لمن وجبت الزكاةُ في ماله أن يخرِجَها مقسطةً في صورة دفعات شهرية على مدار العام إلى مَنْ يعرف أنهم يستحقونها لسدِّ حاجتهم شهرًا بشهر؟
هل يجوز صرف الزكاة للمرضى ضعاف السمع في زراعة قوقعة الأذن؛ فهناك الكثير من الأطفال يُولدون ضعاف السمع ويحتاجون لإجراء عملية زراعة قوقعة بالأذن، والتي إذا لم تتم خلال الأشهر الأولى للولادة يحدث فَقْدٌ نهائيٌّ للسمع والنطق كذلك، وتتكلف العملية ما يقرب من مائة ألف جنيه، وتقوم الدولة مشكورة مُمَثَّلة في الهيئة العامة للتأمين الصحي بتوفير مبلغ خمسة وأربعين ألف جنيه فقط لا غير، وعلى أسرة المريض تدبير باقي المبلغ؛ مما يُمَثِّل عبئًا كبيرًا على كثير من الحالات؛ لذلك تقدمت لجنة الإغاثة بنقابة الأطباء بالتعاون مع الهيئة العامة للتأمين الصحي بإطلاق مشروع زراعة قوقعة الأذن. ونرجو إفادتنا عن جواز إخراج زكاة المال لهذا الغرض؟
ما حكم البيع في المتاجر الإلكترونية؛ ففي عصر الرقمنة أصبح لدينا نوع جديد من التجارة تسمى "دروب شيبنج"؛ حيث يمكن للبائع عرض سلعة لا يملكها في متجر إلكتروني، وعندما يشتري الزائر السلعة فإنها ترسل إليه مباشرة من عند مُوَرِّد السلعة، علمًا بأنَّ البائع لا يملك هذه السلعة في الأصل، ويمكن للزبون (المشتري) إعادة السلعة إن كان فيها خلل ما واستعادة نقوده.
فما حكم الشرع في هذا النوع الجديد من المعاملات؟
ما حكم إخراج زكاة الفطر مالًا؟ فقد سمعت في أحد البرامج أن زكاة الفطر يمكن أن تخرج مالًا، وكان معي صديقي فاعترض على ذلك وقال: إنها لا بد أن تخرج حبوبًا كما جاء في الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهل ما قاله صحيح؟ وهل أحد من الفقهاء أجاز إخراجها مالا؟ أو أن الفقهاء كلهم يرون عدم جواز إخراجها مالا؟ أرجو الإفادة وجزاكم الله خيرا.