ما حكم الاستيلاء على أموال غير المسلمين؟ حيث إنني أعيش في بلاد يكثر فيها غير المسلمين، وأسمع كثيرًا من المسلمين المقيمين في هذه البلاد يقولون: إن الاستيلاء على الأموال التي يتملكها غير المسلمين بالطرق المختلفة مباح أخذها؛ بحجة أنهم ليسوا على ديننا ومن كان كذلك فيجوز استحلال أموالهم، فما مدى صحة ذلك، وهل يجوز لي أخذها؟
لا يجوز الاستيلاء أو التعرض لأموال وممتلكات غير المسلمين بزعم أنهم غير مسلمين؛ لكونه يتنافى مع قواعد الشرع الحنيف التي تقضي بالمحافظة على أموال الناس وحرمة التعدي عليها من غير تفرقةٍ بين مسلم أو غيره، بجانب تعارضه مع مبادئ التعايش السلمي ومقتضيات مكارم الأخلاق، فضلًا عما يؤدي إليه من الإساءة والتشويه لصورة الإسلام والمسلمين.
المحتويات
مقصد حفظ المال من المقاصد الكلية التي راعتها الشريعة الإسلامية، وأمرت بالمحافظة عليه.
قال الإمام القرافي في "الفروق" (3/ 249، ط. عالم الكتب): [مقصود الشرع حفْظُ المال عن الضياع] اهـ.
وقال الإمام أبو حامد الغزالي في "المستصفى" (ص: 174، ط. دار الكتب العلمية): [ومقصود الشرع من الخلق خمسة: وهو أن يحفظ عليهم دينهم ونفسهم وعقلهم ونسلهم ومالهم، فكلُّ ما يتضمن حفظ هذه الأصول الخمسة فهو مصلحة، وكلُّ ما يُفَوِّت هذه الأصول فهو مفسدة ودفعها مصلحة] اهـ. لا فرق في ذلك بين مال المسلم وغير المسلم.
حَرَّمت الشريعة الإسلامية كلَّ الوسائل والطرق الاحتيالية التي قد تسلب من الإنسان ماله على نحوٍ غير مشروع، سواء كان في البيع أم في غيره من المعاملات؛ لما فيه من الإثم والعدوان والخروج عن مقتضى الفضائل والمكارم التي يجب على المسلم التحلي بها مع غيره مطلقًا -مسلمًا أو غير مسلم-؛ لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا» أخرجه الإمام مسلم في "صحيحه" من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
وفي رواية: «مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا، وَالْمَكْرُ وَالْخِدَاعُ فِي النَّارِ» أخرجها الطبراني في "المعجم الكبير" وابن حبان في "صحيحه".
وقد حَذَّر النبي صلى الله عليه وآله وسلم من الغش وتَوعَّد فاعله بالذم والتوبيخ، وبيَّن أن هذا ليس من فعل الأنبياء والصالحين؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله تعالى عنه أنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ مَرَّ عَلَى صُبْرَةِ طَعَامٍ فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهَا، فَنَالَتْ أَصَابِعُهُ بَلَلًا فَقَالَ: «مَا هَذَا يَا صَاحِبَ الطَّعَامِ؟» قَالَ أَصَابَتْهُ السَّمَاءُ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: «أَفَلَا جَعَلْتَهُ فَوْقَ الطَّعَامِ كَيْ يَرَاهُ النَّاسُ، مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّي» أخرجه الإمام مسلم في "صحيحه".
قال العلامة أبو عبيد القاسم بن سلام في "غريب الحديث" (3/ 192، ط. دائرة المعارف العثمانية): [وجهه عندي -والله أعلم- أنَّه أراد: "لَيْسَ مِنَّا"، أي: ليس هذا مِن أخلاقنا ولا مِن فعلنا، إنَّما نفى الغش أن يكون من أخلاق الأنبياء والصالحين، وهذا شبيه بالحديث الآخر: «يُطْبَعُ الْمُؤْمِنُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ إِلَّا الْخِيَانَةَ، وَالْكَذِبَ إنهما لَيْسَا مِنْ أخْلَاقِ الْإِيمَانِ»، وليس هو على معنى أنَّه مَن غَشَّ أو مَن كان خائنًا فليس بمؤمنٍ، ومثله كثير في الحديث] اهـ.
فهذا النهي والوعيد يدلان على تحريم الغش والخداع وكلِّ الوسائل الاحتيالية مطلقًا، سواء أكان في البيع أم في غيره من المعاملات بين الناس، وفعل ذلك يدخل تحت نطاق الغش والخيانة وأكل أموال الناس بالباطل؛ ينظر: "إحياء علوم الدين" للإمام الغزالي (2/ 77، ط. دار المعرفة)، و"الزواجر عن اقتراف الكبائر" للعلامة ابن حجر الهيتمي (1/ 399، ط. دار الفكر).
ولا فرق في ذلك بين أموال المسلمين وغير المسلمين؛ فدماء غير المسلمين وأموالهم وأعراضهم حرام كحرمة دماء وأموال وأعراض المسلمين، سواء بسواء.
والقول -كما ورد بالسؤال- بأنهم "ليسوا على ديننا ومن كان كذلك فيجوز استحلال أموالهم": مخالف لما أمر به الشرع الحنيف من إظهار البِرِّ والرحمة والقسط في التعامل مع غير المسلمين؛ كما في قوله تعالى: ﴿لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ [الممتحنة: 8]، ولا شك أن خيانة غير المسلمين بأخذ أموالهم بأيِّ طريقة غير مشروعة مخالف للأمر بالبِرِّ والقسط المأمور به في الآية الكريمة؛ ينظر: "الجامع لأحكام القرآن" للإمام القرطبي (18/ 59، ط. دار الكتب المصرية).
ولذلك كان نهجه صلى الله عليه وآله وسلم في التعامل مع غير المسلمين أن الأصل في ذلك التعايش واحترام الحقوق والتسامح في شتى المناحي والمجالات، وكذلك أصحابه رضوان الله تعالى عليهم من بعده، والأدلة والشواهد على ذلك كثيرة.
ولم يتوقف الأمر على ذلك، بل أوصى بهؤلاء المسالمين خيرًا، وأوضح أن لهم ما للمسلمين من حقوق وعليهم ما على المسلمين من واجبات، ويسري على الجميع القوانين المطبقة والمعمول بها في البلاد؛ فقال صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ قَذَفَ ذِمِّيًّا حُدَّ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِسِياطٍ مِنْ نَارٍ» أخرجه الإمام الطبراني في "المعجم الكبير".
وقال أيضًا: «أَلَا مَنْ ظَلَمَ مُعَاهِدًا، أَوِ انْتَقَصَهُ، أَوْ كَلَّفَهُ فَوْقَ طَاقَتِهِ، أَوْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ، فَأَنَا حَجِيجُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» أخرجه أبو داود، والبيهقي في "السنن".
قال الملا علي القاري في "مرقاة المفاتيح" (6/ 2625، ط. دار الفكر): [(أَوْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ): تعميمٌ بعد تخصيصٍ، أو تقييدٌ وتأكيدٌ (فَأَنَا حَجِيجُهُ) أَيْ: خَصْمُهُ ومُحَاجُّهُ ومُغَالِبُهُ بإظهارِ الحجج عليهِ (يَوْمَ الْقِيَامَةِ)، والحجَّةُ: الدليل والبرهان] اهـ.
وقد بيَّن الفقهاء الأحكام الواجبة على المسلم عند دخول بلاد غير المسلمين والعيش فيها؛ فنصوا على حرمة أخذ مال غير المسلم بغير طيبِ نفسٍ والاستيلاء عليه بأيِّ وجهٍ غير مشروع، فإن فعل ذلك عُدَّ خائنًا وسارقًا يجب عليه ردُّ ما أخذ، كما لو أخذه من مال مسلم تمامًا بتمامٍ؛ فـ "(لا يتعرض لشيء من دمائهم وأموالهم)؛ لأن فيه غدرًا بهم، وأنه منهي عنه" كما قال الإمام ابن مودود الموصلي الحنفي في "الاختيار لتعليل المختار" (4/ 135، ط. مطبعة الحلبي)، ولأنه "إذا كان منهم في أمان فهم منه في مثله، ولأنه لا يحل له في أمانهم إلا ما يحل له" كما قال الإمام الشافعي في "الأم" (4/ 284، ط. دار المعرفة).
قال الإمام ابن قدامة في "المغني" (9/ 295-296، ط. مكتبة القاهرة): [أما خيانتهم؛ فمحرمة؛ لأنهم إنما أعطوه الأمان مشروطًا بتركه خيانتهم، وأمنه إياهم من نفسه، وإن لم يكن ذلك مذكورًا في اللفظ، فهو معلوم في المعنى، ولذلك من جاءنا منهم بأمان؛ فخانَنَا؛ كان ناقضًا لعهده.
فإذا ثبت هذا؛ لم تحل له خيانتهم؛ لأنه غدر، ولا يصلح في ديننا الغدر، وقد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ»، فإن خانهم، أو سرق منهم، أو اقترض شيئًا، وجب عليه رد ما أخذ إلى أربابه، فإن جاء أربابه إلى دار الإسلام بأمان أو إيمان، رده عليهم، وإلا بعث به إليهم؛ لأنه أخذه على وجه حرم عليه أخذه، فلزمه ردُّ ما أخذ، كما لو أخذه من مال مسلم] اهـ.
وممَّا يشهد لذلك: ما ورد عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أنه كان قد صحبَ قومًا في الجاهلية فقتلهم وأخذ أموالهم، ثم جاء فأسلم، فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «أَمَّا الإِسْلاَمَ فَأَقْبَلُ، وَأَمَّا المَالَ فَلَسْتُ مِنْهُ فِي شَيْءٍ» أخرجه الإمام البخاري في "صحيحه"، وفي رواية أخرى: «أَمَّا الْإِسْلَامُ فَقَدْ قَبِلْنَا، وَأَمَّا الْمَالُ فَإِنَّهُ مَالُ غَدْرٍ لَا حَاجَةَ لَنَا فِيهِ» أخرجها الإمام أبو داود في "السنن".
ويستفاد منه: أنه لا يحل أخذ أموال غير المسلمين غدرًا؛ لأن الرُّفقة يَصطحبون على الأمانة، والأمانة تُؤدَّى إلى أهلها مسلمًا كان أو غير مسلم، كما أفاده الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (5/ 341، ط. دار المعرفة).
الواجب على المسلمين إذن في كلِّ مجتمعٍ أو دولةٍ يقيمون فيها: التمسك بالتعايش السلمي ونبذ الكراهية واحترام الأعراف المعتبرة والنظم القانونية؛ اقتداء بهدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم في التعايش في المجتمعات المختلفة، وإرسائه المنطلقات الأساسية للمواطنة في "صحيفة المدينة"، من خلال المساواة بين جميع رعايا الدولة الإسلامية في التكاليف الدنيوية، والتي جاء فيها: «هَذَا كِتَابٌ مِنْ مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ مِنْ قُرَيْشٍ وَأَهْلِ يَثْرِبَ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ فَلَحِقَ بِهِمْ، فَحَلَّ مَعَهُمْ وَجَاهَدَ مَعَهُمْ، أَنَّهُمْ أُمَّةٌ وَاحِدَةٌ مِنْ دُونِ النَّاسِ» كما في "الأموال" للعلامة ابن زنجويه (2/ 466، ط. مركز الملك فيصل).
يضاف لما سبق: أن ميثاق "العهد الدولي لحقوق الإنسان"، قد نص في المادة (9- فقرة 1) على: [لكلِّ فردٍ حقٌّ في الحرية وفي الأمان على شخصه] اهـ.
وأن هذه الدعوات والحجج المزعومة التي تدعو إلى الاستيلاء على الأموال التي يتملكها غير المسلمين بالطرق المختلفة؛ بزعم أنهم ليسوا على ديننا، وبالتالي يجوز استحلال أموالهم: تندرج تحت ما يسمَّى بجرائم الكراهية، التي أضحى تجريمها ومنعها عرفًا دوليًّا متفقًا عليه، فقد جاء في المادة (20- فقرة 2) من العهد المشار له: [تحظر بالقانون أية دعوة إلى الكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية: تشكل تحريضًا على التمييز أو العداوة أو العنف] اهـ.
بناء على ذلك: فإنه لا يجوز الاستيلاء أو التعرض لأموال وممتلكات غير المسلمين بزعم أنهم غير مسلمين؛ لكونه يتنافى مع قواعد الشرع الحنيف التي تقضي بالمحافظة على أموال الناس وحرمة التعدي عليها من غير تفرقةٍ بين مسلم أو غيره، بجانب تعارضه مع مبادئ التعايش السلمي ومقتضيات مكارم الأخلاق، فضلًا عما يؤدي إليه من الإساءة والتشويه لصورة الإسلام والمسلمين.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
نرجو منكم بيان المعنى المراد من قول النبي عليه الصلاة السلام: «مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى، كَانَ لَهُ مِنَ الْأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ، لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا».
ما المراد من قوله تعالى: ﴿وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ﴾؟
ما حكم التبرع لرفع القمامة من أمام مسجد؛ حيث يوجد في قريتنا مسجد كبير، وأمام المسجد مقلب زبالة ومياه قذرة يتأذى منها المسلمون في المسجد. فهل يجوز للمسلمين أن يتبرعوا ببعض من الأموال لرفع القمامة والزبالة أمام المسجد أم لا؟ ويطلب السائل بيان الحكم الشرعي.
ما حكم اللجوء إلى الدجالين والمشعوذين؟
ما حكم الوظائف الحكومية في البلاد غير الإسلامية؟ حيث تسأل جامعة الإمام أبي الحسن الأشعري بداغستان -بعد شرح موجز لأحوال المسلمين هناك-: ما حكم المناصب الحكومية في داغستان، هل يجوز لواحدٍ من المسلمين أن يرشح نفسه ليكون رئيسًا لجمهورية داغستان -علمًا بأن %95 من السكان ينتسبون إلى الإسلام- أو وزيرًا من الوزراء، أو عضوًا في مجلس الشعب؟ وإذا رشح نفسه وصار واحدًا من المذكورين هل يُعتبر عميلًا للكفار لأنه يحمي وينفذ القانون الروسي، ويأمر ويحكم به؟
وما حكم شَغل المسلم لهذه المناصب في الحكومة المركزية الروسية في موسكو، هل له أن يكون منتخبًا في البرلمان الروسي، أو أن يعمل موظفًا حكوميًّا في روسيا وفي المجالات المختلفة؛ في الوزارات الداخلية والخارجية والاقتصادية وغيرها؟
وما حكم مشاركة المسلمين منا في الانتخابات العامة لاختيار رئيس روسيا الاتحادية، هل تعتبر هذه الانتخابات اختيارًا منا لتولية الكافر علينا، وإعطاءً للكافر الولاءَ، وماذا علينا أن نفعل إذا كان الحكم الشرعي كذلك فعلًا؛ والحال أننا إذا لم نُجر الانتخابات في القرية ولم نشارك فيها نهائيًّا نقع في مشاكل مع الحكومة، وفي ذات الوقت نخاف من الوقوع في الإثم إن شاركنا، وهناك من الشباب من لا يشاركون في الانتخابات ويفسِّقون أو يُكَفِّرون من شارَك، ولهم من يتبعهم في هذا الرأي، فما الحكم في ذلك؟
وهل يجوز لمسلمٍ أن يكون شرطيًّا أو يعمل في الأمن في بلدنا؟ فهناك مَن يقول بجواز قتل الشرطة ورجال الأمن والمخابرات، ولو كانوا يدَّعون الإسلام ويصلون ويصومون؛ لأن مجرد كونهم موظفين في البلد الذي هو تحت حكم الكفار يُحِلُّ دماءهم وأموالهم، ومن المعلوم أن روسيا تُنَصِّب علينا رئيسًا ووزراء وشرطة وغيرهم من أرباب المناصب والسلطات من غير المسلمين، إذا لم يَشْغَل أحدٌ مِن المسلمين هذه المناصب.
ما حكم التصرف في كارت التموين؟ فلدَى بعض أصدقائي "كارت تموين" وليس في حاجة إليه، فهل يجوز أن يعطيه آخر مدة من الزمن ليستفيد من صرف السلع التموينية المقررة لهذا الكارت؟