حكم المسح على الجورب الأعلى الملبوس على جورب آخر بطهارة واحدة

تاريخ الفتوى: 31 يوليو 2023 م
رقم الفتوى: 7786
من فتاوى: الأستاذ الدكتور / شوقي إبراهيم علام
التصنيف: الصلاة
حكم المسح على الجورب الأعلى الملبوس على جورب آخر بطهارة واحدة

سائل يقول: توضأتُ ولبستُ جوربين، ثم بعد مدة قصيرة لبستُ جوربين آخَرَين فوقهما قبل أن يَنتقض وضوئي، فهل يجوز لي المسح عليهما أو عليَّ نزعُهما والمسح على الأوَّلَين؟

ما دام لُبس الجَوْرَبَيْن كان بعد الوضوء، وتم المسح عليهما، ثم بعد ذلك تمَّ لبس غيرَهما فَوْقَهما قبل أن يَنتقض الوضوء، فإنه يجوز -عند الوضوء- المسح على الجَوْرَبَيْن الظاهرين، وذلك إذا كان في مدة المسح وكان المسلم مراعيًا أحكامَه.

المحتويات

 

بناء أحكام الشريعة على التخفيف ورفع الحرج

مِن يُسْرِ الشريعةِ السمحةِ: أنَّ أحكامَهَا قد بُنِيَتْ على التخفيفِ والتيسيرِ ورفعِ الحرجِ، فلم يُكَلِّفِ المولى سبحانه وتعالى العبادَ إلا بما هو في طاقتهم ووُسعهم؛ قال تعالى: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾ [البقرة: 185]، وقال تعالى: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ [البقرة: 286].

قال الإمام الزَّمَخْشَرِي في "الكشاف" (1/ 332، ط. دار الكتاب العربي): [الْوُسْعُ: ما يَسَعُ الإنسانَ ولا يَضِيقُ عليه ولا يُحْرَجُ فيه، أي: لا يكلِّفها إلا ما يَتَّسِعُ فيه طَوْقُه ويَتيسر عليه، دون مَدَى الطاقة والمجهود، وهذا إخبارٌ عن عدله ورحمته، كقوله تعالى: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ﴾] اهـ.

ومِن مظاهر هذا اليُسر في الشريعة: أنها أباحت للمسلم عند الوضوء أنْ يمسح على الخُفَّيْن أو الجَوْرَبَيْن -على اختلافٍ بين الفقهاء وتفصيلٍ في شروط المسح عليهما، سواء في الخُفَّيْن أو الجَوْرَبَيْن-، وذلك دون أن ينزعهما، ما دام قد لَبِسَهُمَا وفق أحكامهما المقررة في الشرع، والتزم بهذه الأحكام.

فعن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: كُنْتُ مَعَ النَّبِي صلى الله عليه وآله وسلم فِي سَفَرٍ، فَأَهْوَيْتُ لأَنْزِعَ خُفَّيْهِ، فَقَالَ: «دَعْهُمَا فَإِنِّي أَدْخَلْتُهُمَا طَاهِرَتَيْنِ»، فَمَسَحَ عَلَيْهِمَا. أخرجه الإمام البخاري في "صحيحه".

وعنه أيضًا رضي الله عنه: «أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلى الله عَلَيه وَآلِهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ وَالنَّعْلَيْنِ» أخرجه الأئمة: أصحاب السنن الأربعة، وأحمد في "المسند" واللفظ له.

بيان المراد بالخف والمراد بالجورب

"الخُفُّ": نعلٌ مصنوعٌ من الجلد يُغطي الكعبين، والكَعْبَان: هما العَظْمَتان البارِزَتَان على جانِبَي القدم، وجَمْعُهُ: خِفَاف بكسر الخاء؛ كما في "سبل السلام" للإمام الصنعاني (1/ 80، ط. دار الحديث).

و"الجَوْرَبُ": ما يرتديه الإنسانُ في قَدَمهِ للدفء غالبًا، سواء كان مصنوعًا من الصوفِ أو القطنِ أو الكتانِ أو غير ذلك؛ كما في "تاج العروس" للإمام الزَّبِيدِي (2/ 156، ط. دار الهداية).

حكم المسح على الجورب الأعلى الملبوس على جورب آخر بطهارة واحدة

إذا توضأ المسلمُ ولبس الجَوْرَبَيْن، ثم لبس بعد ذلك جَوْرَبَيْن آخَرَين فَوْقَهما قبل أنْ ينتقض وُضوؤه -أي: وهو على نفس الطُّهر الذي لبس فيه الجَوْرَب الأول-، فإنه يجوز له أن يمسح على الجَوْرَبَيْن الظاهرَين (الأَعْلَيَيْن أو الفَوْقَانِيَّيْن) دون أن ينزعهما؛ لحديث أبي عبد الرحمن السلمي أنه شهد عبد الرحمن بن عوف يسأل بلالًا رضي الله عنهما عن وُضوء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: «كَانَ يَخْرُجُ يَقْضِي حَاجَتَهُ، فَآتِيهِ بِالْمَاءِ فَيَتَوَضَّأُ، وَيَمْسَحُ عَلَى عِمَامَتِهِ وَمُوقَيْهِ» أخرجه الأئمة: أبو داود في "السنن"، والبيهقي في "السنن الكبرى"، والحاكم في "المستدرك" وصححه.

وعن الحارث بن معاوية، وسهيل بن أبي جندل أنهما سَأَلَا بلالًا رضي الله عنه عن المسح، فقال: «امْسَحُوا عَلَى الْجُرْمُوقِ» رَفَعَه إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم. أخرجه الإمام الطبراني في "مسند الشاميين".

و"المُوقُ": ما يُلْبَسُ فوق الخُفِّ، وأَصْلُهُ فارسيٌّ معرب؛ كما في "الصحاح" للإمام الجوهري (1/ 301، ط. المكتبة العصرية).

و"الجُرْمُوق": خُفٌّ قصيرٌ يُلبس فوق الخُفِّ، وقيل: هما سواء؛ كما في "الجوهر النقي على سنن البيهقي" لأبي الحسن المارديني الشهير بـ"ابن التركماني" (1/ 288، ط. دار الفكر).

بيان نصوص الفقهاء في هذه المسألة

وهو ما ذهب إليه جمهور الفقهاء مِن الحنفية، والشافعية في مقابل الأصح -إلا إذا كان الجَوْرَب الأسفل مُخَرَّقًا؛ فإنه يجوز المسح على الجَوْرَب الأعلى قولًا واحدًا-، والمالكية، والحنابلة.

قال شمس الأئمة السَّرَخْسِي الحنفي في "المبسوط" (1/ 102، ط. دار المعرفة): [قال: (ويجوز المسح على الجُرْمُوقَيْن فوق الخُفَّيْن) عندنا.. (ولَنَا) حديث عمر رضي الله تعالى عنه قال: «رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ مَسَحَ عَلَى الجُرْمُوقَيْنِ»، ولأنَّ الجُرْمُوق فوق الخُفِّ في معنى خُفٍّ ذي طَاقَيْنِ، ولو لبس خُفًّا ذا طَاقَيْنِ كان له أن يمسح عليه، فهذا مثله، وإنما يجوز المسح عندنا على الجُرْمُوقَيْن إذا لبسهما فوق الخُفَّيْن قبل أنْ يُحدِث] اهـ.

وقال العلامة الخَرَشِي المالكي في "شرح مختصر خليل" (1/ 178، ط. دار الفكر): [يُرخص في المسح على الخُفِّ إن كان منفردًا، بل ولو كان جَوْرَبًا على جَوْرَبٍ، أو خُفًّا على جَوْرَبٍ، أو خُفًّا أو جَوْرَبًا على لفائفَ، أو خُفًّا أو جَوْرَبًا على خُفٍّ في الرِّجلين، أو إحداهما في الجميع، والأخيرتان في "المدونة" وفيها الخلاف المشار إليه بـ"لو"، وشرطُ مسحهِ على الأَعْلَيَيْنِ: أنْ يكونَ لَبِسَهُمَا وهو على الطُّهْرِ الذي لبس بعده الْأَسْفَلَيْنِ، أو بعد أنْ أحدثَ وَمَسَحَ على الْأَسْفَلَيْنِ، أمَّا لو لَبِسَ الْأَسْفَلَيْنِ على طُهْرٍ، ثمَّ أحدَث، ثم لبس الأَعْلَيَيْنِ قبل أنْ يتوضأ ويمسحَ على الْأَسْفَلَيْنِ، لم يمسحْ على الأَعْلَيَيْنِ] اهـ.

وقال الإمام النووي الشافعي في "المجموع" (1/ 504، ط. دار الفكر): [الأصَحُّ مِن القولين عند الأصحاب: أنه لا يجوز المسح على الجُرْمُوق، ووافقهم عليه القاضي أبو الطيب في "تعليقه"، وخالفهم في كتابه "شرح فروع ابن الحداد" فَصَحَّحَ الجواز، وهو اختيار المُزَنِي.

وشرطُ مسألة القولين: أنْ يكون الخِفَافُ والجُرْمُوقَانِ صحيحَين يجوز المسحُ على كلِّ واحدٍ لو انْفَرَدَ كما قاله المصنِّف، فأمَّا إنْ كان الأعلى صحيحًا والأسفل مُخَرَّقًا، فيجوز المسحُ على الأعلى قولًا واحدًا؛ لأنَّ الأسفل في حكم اللِّفافةِ، هكذا قَطَعَ به الأصحابُ الطُّرُقَ، وصَرَّحوا بأنه لا خلاف فيه] اهـ.

وقال أيضًا (1/ 506): [(فرعٌ) في مسائل تتعلق بمسح الجُرْمُوقَيْن: إحداها: إذا قلنا: يجوز المسح على الجُرْمُوقَيْن، فينبغي أن يَلبس الخُفَّيْن والجُرْمُوقَيْن جميعًا على طهارةِ غَسل الرِّجلين] اهـ.

وقال الإمام ابن قُدَامة الحنبلي في "المغني" (1/ 208، ط. مكتبة القاهرة) فيمن لبس خُفَّيْن ثم لبس فوقهما خُفَّيْن أو جُرْمُوقَيْن آخَرَين: [وإن لَبِسَ الْفَوْقَانِيَّ قبلَ أنْ يُحْدِثَ، جازَ المسحُ عليهِ بكلِّ حالٍ، سَوَاءٌ كان الذي تحته صحيحًا أو مُخَرَّقًا، وهو قول الحسن بن صالح، والثوري، والأوزاعي، وأصحاب الرأي] اهـ.

الخلاصة

بناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فما دمتَ قد لبستَ الجَوْرَبَيْن بعدما توضأتَ ومسحتَ عليهما، ثم لبستَ غيرَهما فَوْقَهما، فإنه يجوز لكَ -عند الوضوء- أن تمسح عليهما، وذلك ما دمتَ في مدة المسح ومراعيًا أحكامَه.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

بخصوص الشخص الذي له رخصة التيمم بسبب عدم توفر الماء أو بسبب مرض يمنعه من استعمال الماء؛ هل يُشْتَرَطُ في حقه تَكرار التيمم لكل فريضة، أو يجوز له أن يصلي بالتيمم الواحد أكثر من فريضة كما هو الحال في الوضوء؟


ما حكم طواف الإفاضة للحائض؟ فهناك امرأةٌ ذهبت لأداء فريضة الحج، وداهمها الحيض قبل طواف الإفاضة، واقترَب موعد السفر مِن مكة المكرمة، بحيث لا تتمكن مِن الانتظار حتى تَطْهُر، فطافَت وعادت إلى بلدها، وتسأل: هل حجُّها صحيح شرعًا؟ وهل عليها شيء؟


ما حكم صلاة النافلة في جماعة؛ فنحن نقوم في بلدتنا بدعوة الناس إلى قيام الليل في جماعة، ونخُصُّ من ذلك بعض الأيام والأزمان المباركة؛ مثل الاثنين والخميس والعشر الأوائل من ذي الحجة وغيرها، وندعوهم لقيام الليل والصلاة والتسبيح والأدعية في يوم ميلاد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؛ احتفالًا بمولد الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم؛ فقال بعض الناس: هذا بدعة، وقالوا: إن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم صلَّى معه في غير رمضان صحابي أو اثنان كانوا حاضرين في وقت الصلاة مصادفة، أو دخلوا معه فيها وهو لم يدعهم إليها؛ وعلى ذلك فإن دعوة الناس إلى قيام الليل في جماعة بدعة. فما مدى صحة هذا الكلام؟


ما حكم قطع صلاة الفريضة لأمر مهم؟ فإذا رن التليفون أثناء تأدية المرء إحدى الصلوات الخمس وكان منتظرًا مكالمة مهمة جدًّا، فهل يُسمح له بقطع الصلاة ويرد على الهاتف ثم يبدأ بعد ذلك صلاته من جديد؟ وهل يوجد رأي لهذا السؤال في المذاهب الفقهية الإسلامية؟


ما حكم عمل سجادة للصلاة تقوم بِعَدِّ ركعات الصلاة أثناء الصلاة؛ وذلك لكبار السن وغيرهم ممَّن يكثر سهوُه ونسيانُه؟


ما حكم الالتفات اليسير في الصلاة لمن يقوم بالحراسة بسبب الخوف؟ فأنا أعمل في مهنة الحراسة الليلية لإحدى الشركات، وأقوم بأداء صلاة الصبح في مكان العمل، وفي بعض الأحيان يحدث مني التفات يسير دون قصد بسبب الخوف على المكان الذي أقوم بحراسته، فما حكم الشرع في ذلك؟ وهل هذا يُبْطِل الصلاة؟


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 04 يونيو 2025 م
الفجر
4 :9
الشروق
5 :53
الظهر
12 : 53
العصر
4:29
المغرب
7 : 53
العشاء
9 :26