ما حكم عمل العمامة والقميص للميت عند تكفينه؟ وما كيفية عمل ذلك؟
الأصل في تكفين الميت الرجل أن يكون في ثلاثة أثواب، ويجوز تكفينه في قميص باتفاق الفقهاء على اختلاف في هيئته بينهم، وكذلك تعميمُ الميت جائزٌ بلا كراهةٍ على ما ذهب إليه جمهور الفقهاء.
ويجوز أن يُجعَلَ لقميص الميت أكمام وأزرار وأن يكون على هيئة قميصه حيًّا.
وتُلف عمامة الميت بأن يُسدل طرفُها على وجه الميت، ثمَّ يُلَفُّ على رأسه مِن تحت ذقنه، ثمَّ تُلَفُّ العمامة على رأس الميت، ثمَّ يُسدَلُ الطرف الْآخَر على وجهه.
المحتويات
أجمع المسلمون على وجوب تكفين الإنسان وستره عند موته؛ حيث إن حرمة الإنسان ميِّتًا كحرمته حيًّا، وهو من فروض الكفاية التي إذا قام بها البعض بما يغني الحاجة سقط التكليف بها عن الباقين. ينظر: "المغني" للإمام ابن قُدَامَة (2/ 388، ط. مكتبة القاهرة)، و"طرح التثريب" للحافظ وَلِيِّ الدين العِرَاقِي (3/ 271، ط. دار الفكر).
السُّنَّة في تكفين الميت إذا كان رجلًا: أن يُكفَّن في ثلاثة أثوابٍ بِيضٍ نَقِيَّةٍ؛ لحديث أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها «أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ كُفِّنَ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ بِيضٍ سَحُولِيَّةٍ، لَيْسَ فِيهَا قَمِيصٌ وَلَا عِمَامَةٌ» متفقٌ عليه.
والسَّحُولِيَّةُ: جمع (سَحلٍ) وهو الثوب الأبيض، وقيل: هي نسبة إلى (سحول) وهو موضع باليمن، كما في "مختار الصحاح" للإمام زين الدين الرازي (ص: 143، ط. المكتبة العصرية).
وعن سَمُرَةَ بن جُنْدَب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «الْبَسُوا الْبَيَاضَ، فَإِنَّهَا أَطْهَرُ وَأَطْيَبُ، وَكَفِّنُوا فِيهَا مَوْتَاكُمْ» أخرجه الإمام الترمذي في "سننه" وقال: [هذا حديث حسن صحيح] اهـ.
تقميص الميت بأن يُجعل له قميص مِن جملة أكفانه جائزٌ شرعًا باتفاق المذاهب الفقهية الأربعة، وتعميم الميت جائزٌ أيضًا على ما ذهب إليه جمهور الفقهاء من متأخري الحنفية، وهو مذهب المالكية والشافعية، والصحيح من مذهب الحنابلة؛ لما روي عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما «أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ كُفِّنَ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ، فِي قَمِيصِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، وَحُلَّةٍ نَجْرَانِيَّةٍ» والْحُلَّةُ: ثَوْبَانِ. أخرجه الإمام أحمد في "المسند".
ولما روي عن نافِعٍ أنه قال: "كَانَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا يُسْدِلُ طَرَفَ الْعِمَامَةِ عَلَى وَجْهِ الْمَيِّتِ، ثُمَّ يَلُفُّ عَلَى رَأْسِهِ مِنْ تَحْتِ الذَّقْنِ، ثُمَّ يَلْوِيهَا عَلَى رَأْسِهِ، ثُمَّ يُسْدِلُ الطَّرَفَ الْآخَرَ أَيْضًا عَلَى وَجْهِهِ" أخرجه الإمام عبد الرزاق في "المصنف".
وفي روايةٍ عَنْ نَافِعٍ أيضًا: "أَنَّ ابْنًا لِعَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما مَاتَ، فَكَفَّنَهُ ابْنُ عُمَرَ فِي خَمْسَةِ أَثْوَابٍ: عِمَامَةٍ، وَقَمِيصٍ، وَثَلَاثِ لَفَائِفَ" أخرجها الإمام البَيْهَقِي في "السنن الكبرى".
قال الإمام مُلَّا خِسْرُو الحنفي في "درر الحكام" (1/ 162، ط. دار إحياء الكتب العربية): [(وسُنَّة الكفن له) أي: للرجل (إزار وقميص ولفافة).. (واستحسن العمامة) أي: استحسن المتأخرون] اهـ.
وقال الإمام أبو البَرَكَات الدَّرْدِير المالكي في "الشرح الكبير" (1/ 417، ط. دار الفكر، مع "حاشية الدسوقي"): [(و) ندب (تقميصه وتعميمه) أي جعل قميص وعمامة من جملة أكفانه] اهـ.
وقال الإمام النووي الشافعي في "منهاج الطالبين" (ص: 58، ط. دار الفكر): [والأفضل للرجل ثلاثة، ويجوز رابع وخامس، ولها خمسة، ومن كفن منهما بثلاثة فهي لفائف، وإن كفن في خمسة زيد قميص، وعمامة تحتهن] اهـ.
وقال الإمام ابن قُدَامَة الحنبلي في "المغني" (2/ 348): [التكفين في القميص والمئزر واللفافة غير مكروه] اهـ.
وقال الإمام علاء الدين المَرْدَاوِي الحنبلي في "الإنصاف" (2/ 508، ط. دار إحياء التراث العربي) عند ذكره بعض الفوائد في كتاب (الجنائز): [الخامسة: لا يكره تعميمه، على الصحيح من المذهب. قدمه ابن تميم، والرعاية الصغرى، والحاويين] اهـ.
أمَّا بخصوص الهيئة التي يكون عليها التكفين بالقميص والعمامة، فقد اختلف الفقهاء في توصيفها، وذلك على النحو الآتي:
فمذهب الحنفية: أن قميص الميت يكون مِن العُنُق إلى القَدَم بِلَا جَيْبٍ وهو الشَّق عند الرقبة، ولا كُمَّيْن، ولا دِخْرِيص، وهو الشَّق الذي يُفعل في قميص الحَيِّ لِيَتَّسِعَ لِلْمَشْي فيه.
قال الإمام ابن عَابِدِين في "رد المحتار" (2/ 202، ط. دار الفكر): [قوله: (إزار.. إلخ) هو مِن القرن إلى القدم، والقميص مِن أصل العُنُق إلى القدمين بلا دِخْرِيص وكُمَّيْن، واللفافة تزيد على ما فوق القرنِ والقدمِ لِيُلَفَّ فيها الميت، وتُربَط مِن الأعلى والأسفل "إمداد"، والدخريص: الشَّق الذي يُفعل في قميص الحي ليتسع للمشي] اهـ.
ومذهب المالكية: أن تكفين الميت يبدأ بالإزار ويجوز جعله سراويل؛ لكونه أستر للميت، ثم يوضع القميص فوق الإزار، ويجوز أن يُخاط القميص عندهم، وكذلك عمل أكمام له أيضًا، ثم يُوضع لفافتان فوق القميص، وأمَّا عن العمامة فإنها تُلَف على رأسه ويجعل لها طرف يُلَفُّ حول ذقنه، ويُجعل لها ذؤابة يُغطى بها وجه الميت.
قال الإمام أبو عبد الله المَوَّاق في "التاج والإكليل" (3/ 31، ط. دار الكتب العلمية) في كيفية العمامة للميت: [(وعَذَبَةٌ فيها) عَذَبَةُ كل شيء طَرَفُه. مُطَرِّف: يجعل من عمامته تحت حلقه كالحي، ويكون منها قدر الذراع ذؤابة يُغطي بها وجهه] اهـ.
وقال الإمام الدُّسُوقِي في "حاشيته على الشرح الكبير" (1/ 417، ط. دار الفكر): [نُدب أن يُجعل القميص والعمامة من جملة أكفانه الخمسة، وهل يُخَيَّط القميصُ ويُجعل له أكمام أو لا؟ والظاهر الأول.. (قوله: ونُدب أُزرةٌ تحت القميص) أي: وسراويل بدلها، وهو أستر منها، والمراد بالأُزرة هنا ما يستر من حَقْوَيْهِ إلى نصف ساقيه، لا ما يستر العورة فقط] اهـ.
أما فقهاء الشافعية فلم ينصوا في كتبهم على هيئةٍ معينةٍ لقميص الميت، فأفاد ذلك جواز أن يكون كقميص الحي، وما عليه العمل هو كون قميص الميت مِن العُنُق إلى القَدَم بِلَا جَيْبٍ، ولا كُمَّيْن، ولا دِخْرِيص، كما قال الإمام الشَّرْوَانِي في "حاشيته على تحفة المحتاج" (3/ 121، ط. المكتبة التجارية الكبرى).
إلَّا أنهم استحبوا إن جُعل في كفن الميت قميصٌ وعمامةٌ أن يكونا تحت اللفائف؛ لأنهما مِن الزينة، وليس حال الموت بحال الزينة.
قال الإمام الشِّيرَازِي في "المهذب" (1/ 242، ط. دار الكتب العلمية): [فإن جُعل فيها قميص وعمامة جُعل ذلك تحت الثياب؛ لأن إظهاره زينة، وليس الحال حال زينة] اهـ.
بينما ذهب فقهاء الحنابلة إلى أن تكفين الميت يُبدأُ فيه بالمئزر وبعده القميص، ثم اللفافة فوقهما، ويجوز في القميص أن يكون مثل قميص الحيِّ ذو أكمام وأزرار ودخاريص.
قال الإمام ابن قُدَامَة في "المغني" (2/ 348): [(وإن كُفن في قميص ومئزر ولفافة جُعل المئزر مما يلي جلده، ولم يُزَرَّ عَلَيْهِ القميصُ) التكفين في القميص والمئزر واللفافة غير مكروه.. وقال أحمد: إن جعلوه قميصًا فأحب إليَّ أن يكون مثل قميص الحي، له كُمَّان ودخاريص وأزرار، ولا يُزر عليه القميصُ] اهـ.
بناءً على ما سبق: فالأصل في تكفين الميت الرجل أن يكون في ثلاثة أثواب، ويجوز تكفينه في قميص باتفاق الفقهاء على اختلاف في هيئته بينهم، وكذلك تعميمُ الميت جائزٌ بلا كراهةٍ على ما ذهب إليه جمهور الفقهاء.
وفي واقعة السؤال: عَمَلُ القميص للميت وتَعميمُه جائزٌ شرعًا، ويجوز أن يُجعَلَ لقميص الميت أكمام وأزرار وأن يكون على هيئة قميصه حيًّا، وتُلف عمامة الميت بأن يُسدل طرفُها على وجه الميت، ثمَّ يُلَفُّ على رأسه مِن تحت ذقنه، ثمَّ تُلَفُّ العمامة على رأس الميت، ثمَّ يُسدَلُ الطرف الْآخَر على وجهه.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
سائلة تقول: لم أذهب إلى مقبرة والدي سوى مرات قليلة، وظروفي لا تسمح لي أن أذهب دائمًا؛ فهل يجب علي أن أذهب باستمرار؟ وهل صحيح أنَّ الميت يفرح بزيارة أهله له؟
اطلعنا على الطلب الـمُقَدَّم، والمتضمن الأسئلة الآتية:
أولًا: ما هي آداب الدفن الشرعية؟
ثانيًا: هل يجوز بناء مقبرة (فسقية) فوق قبور دفن بها منذ أربعين عامًا؛ وذلك لضيق المكان، ولأن الدفن قد توقف مما سبب طمع بعض المعتدين الذين نبشوا القبور القديمة وأزالوا شواهدها بغية الاستيلاء على المقبرة؛ مما جعلنا ننشئ هذه المقابر لتجديد الدفن وجعلها حقوقًا للمسلمين عامة؟
ثالثًا: هل يجوز شق طريق بين هذه المقابر؛ وذلك لبناء مقابر أخرى في المساحة المتبقية نظرًا لأن تعداد السكان في تزايد مستمر؟
رابعًا: هل يجوز وضع أكثر من ميت في العين الواحدة؟
خامسًا: قد تم تشجير الجبّانة حول السور وداخله، فما الحكم؛ حيث إنه من الممكن وجود جثث تحت أو جوار الأشجار؟ وهل يجوز زرع أشجار مثمرة؟ بالعلم أنها تروى بالتنقيط؟
سادسًأ: هل يجوز إنشاء دورة مياه داخل سور المقابر؛ بحيث يكون الخزان خارج السور؟
سابعًا: ما حكم الشرع في بناء المقبرة بالطوب الأحمر الطفلي؟ مع العلم أنه دخل النار. وما حكم البناء بالطوب الجيري البلوك؟ مع العلم أننا نبني جسم المقبرة بالبلوك، والقبو بالطوب الأحمر الطفلي؟
ثامنًا: هل يجوز تجديد المقام المبني داخل المقابر لشيخ يدعى السنوسي أم لا؟
هل مقابر الأجداد تُعَدُّ تركة عنهم تورث لأبنائهم وأحفادهم من بعدهم؟
ما حكم زيارة أهل البقيع بعد الانتهاء من أداء مناسك الحج؟
ما حكم تكفين الجزء المأخوذ من الميت لدفنه؟ فإنَّ ابني كان طالبًا في كلية الطب، وأحضرنا له بعض العظام البشرية للتعليم عليها، وقد أنهى دراسته الجامعية، فماذا أفعل في هذه العظام؟ هل أعطيها لغيره من الطلبة ليتعلم عليها، أو يجب عليَّ دفنُها صيانةً لحرمة هذا الميت؟
سائل يقول: يلجأ بعض الناس إلى تركيب "الفينير" للأسنان أو ما يعرف بـ"القشور الخزفية للأسنان" أو "عدسات الأسنان" من أجل التداوي؛ حيث يحتاج لتركيبها إخفاءً لبعض العيوب الخِلْقِية، أو معالجةً لبعض مشاكل الأسنان؛ كتآكل طبقة المينا، أو حدوث كَسْرٍ أو تَصَدُّعٍ في الأسنان، ونحو ذلك؟ وهل يُعدُّ ذلك من تغيير خلق الله؟ وما حكم الطهارة مع وجوده في كل هذه الحالات؟