ما حكم صيام الرجل الذي يعمل في مهنة الغطس؟ فهناك رجلٌ غَطَّاس، وعندما يكون صائمًا في نهار رمضان، يدخل بعضُ الماءِ إلى فمه، إلا أنه لا يَصِلُ إلى الجوفِ، فهل صومه صحيحٌ شَرعًا؟
صوم الرجل المذكور الذي يعمل في مهنة الغطس صحيحٌ شرعًا، ولا حرج عليه في دخول بعض الماء إلى فَمِهِ أثناء صيامه في رمضان، ما دام يَمُجُّهُ ولا يَبتلعُ شيئًا مِنه، فإن وَصَلَ شيءٌ من ذلك إلى حَلْقِهِ وجَوْفِهِ دون قصدٍ منه لم يَفسُد صومُه، إلا أنَّ المستحبَّ له في هذه الحالة أن يقضي يومًا مكانه احتياطًا للعبادة، وخروجًا مِن الخلاف، ما دام في وُسعِهِ ذلك.
المحتويات
الصيام عبادةٌ جليلةٌ، وفريضةٌ محكمةٌ، قال الله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [البقرة: 183].
وفضل الصيام عظيمٌ، ونفعُه على الصائم عميمٌ؛ لعُمومِ قول الله تعالى: ﴿وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: 184]، وقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم لمعاذ بن جبل رضي الله عنه: «أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى أَبْوَابِ الخَيْرِ؟ الصَّوْمُ جُنَّةٌ» الحديث. أخرجه الإمام الترمذي في "سننه".
الصوم لُغةً: مطلق الإمساك، كما في "المصباح المنير" للعلامة الفيومي (1/ 352، ط. المكتبة العلمية).
وشرعًا: إمساك المكلف عن قضاء شهوتَي البطن والفَرْج، مِن طلوع الفجر إلى غروب الشمس، كما في "المبسوط" لشمس الأئمة السَّرَخْسِي (3/ 54، ط. دار المعرفة).
الغَطَّاس: "مَن حِرفَتُه الغَطس فِي المَاء ليُخرِجَ مِنْهُ مَا يُرِيد، وَهُوَ الغوَّاص"، كما في "المعجم الوسيط" (2/ 655، مادة "غ ط س"، ط. دار الدعوة).
والمراد بالغَطْسِ: الانغِمَاسُ في الماء، كما في "لسان العرب" لجمال الدين ابن منظور (6/ 155، ط. دار صادر).
وقد قرر المتخصصون في رياضة الغطس أن على الممارِس لهذه الرياضة أو المُمْتَهِن لها (الغطَّاس) أنْ يقوم بتطبيق بعض الإجراءات والمعايير الخاصَّة بالسَّلامَة، وذلك باستعمال مجموعة مِن الأدوات والمعدات الخاصَّة، ومِن ذلك: ارتداء القناع، وهو ما يغطي العينين والأنف، ومِن خصائص هذا القناع: أنَّه لا يَسمَحُ بتسرُّبِ الماء إلى داخِلِه، كما في "السباحة تعليمٌ، تدريبٌ، تنظيمٌ" للدكتورة/ سميرة عرابي (ص: 18، ط. دار أمجد).
فَيُعلَم مِن ذلك أنَّ وصولَ الماءِ إلى فَمِ الغطَّاس بحكم وجودِه داخل الماء لا يكون إلا نَزْرًا يسيرًا، بحيث يُمكِنُ إمساكه عن الوصول إلى جوف الغطَّاس غالبًا، كما أن الاحتراز عن وصول الماء عن طريق الفم أو الأنف إلى جوفه أصلٌ مِن أصول السَّلامَةِ في رياضات الماء، وعلى الغطَّاس ألَّا يُتم عملية الشهيق -والتي يُسحَب فيها الهواءُ إلى داخل الجسم- إلا خارج الماء؛ حفاظًا على تعادل الوزن النوعي لجسم الممارِس لتلك الرياضة أو المهنة، وحمايةً له مِن الغرق، كما في "أصول السباحة والغطس" لهنري مارلو (ص: 12-14، ط. مكتبة لبنان).
وإذا تقرر ذلك، فإنَّ الفقهاء قد نصُّوا على مشروعية نزول الصائم إلى الماء والغطس فيه ما دام متحفِّظًا مِن وصول الماء إلى جوفه، كما في "المجموع" للإمام النووي (6/ 348 ط. دار الفكر)، و"تحفة الحبيب على شرح الخطيب" للعلامة البُجَيْرِمِي (2/ 379، ط. دار الفكر).
وأما مجرد وجود الماء داخل الفم مِن غير وصولِه إلى جوف الصائم، فإنه لا يؤثرُ في صحَّة صومِه بإجماع الفقهاء، إذ قد "أجمع الناسُ على أنَّ الصائم يَتَمَضْمَضُ وجوبًا واستحبابًا"، كما قال الشيخ ابن القَيِّم في "زاد المعاد" (4/ 297، ط. مؤسسة الرسالة)، و"لا يَلزمه تَنشيف فَمِهِ بِخِرْقةٍ ونحوِها بلا خلافٍ"، كما قال الإمام المُتَوَلِّي وغيرُه فيما نقله الإمام النووي في "المجموع" (6/ 327)، كما أن الفقهاءَ قد "أجمعوا على أنْ لَا شيءَ على الصائم فيما يَزْدَرِدُهُ مما يَجري مع الريق مما بين أسنانه فيما لا يَقدِرُ على الِامتناع مِنه"، كما قال الإمام ابن المُنْذِر في "الإجماع" (ص: 49، ط. دار المسلم).
فإن لَم يتمكن الصائمُ مِن إمساك بعضِ الماء الموجود في فمه، فسبقه إلى حلقه دون قصدٍ منه، لم يَفسُد صومه بذلك على ما ذهب إليه الحنابلة في أحد الوجهين، لعدم توفُّر القصد.
قال الإمام ابن قُدَامَة في "المغني" (3/ 124، ط. مكتبة القاهرة) في ذكر المضمضة في غير الوضوء للصائم: [فإن وصل إلى حلقه، فقال أحمد: يعجبني أن يعيد الصوم. وهل يفطر بذلك؟ على وجهين... الثاني: لا يفطر به؛ لأنَّه وَصَلَ مِن غير قصدٍ، فأَشْبَهَ غُبَارَ الدقيق إذا نَخَلَهُ] اهـ.
وقال العلامة أبو السعادات البُهُوتِي في "الروض المربع" (ص: 232، ط. دار المؤيد): [ولا يَفسُد صومُه بما دَخَلَ حَلْقَهُ مِن غير قصدٍ] اهـ.
لكن يُستَحَبُّ له في تلك الحالة أن يقضي يومًا مكان الذي سَبَقَهُ فيه الماءُ إلى حَلْقِهِ في نهار الصوم في رمضان، حيث إن "الْخُرُوجَ مِنَ الْخِلَافِ مُسْتَحَبٌّ"، كما في "الأشباه والنظائر" للحافظ السيوطي (ص: 136، ط. دار الكتب العلمية)، وأن العبادة إذا صَحَّت عند الجميع لكان خيرًا مِن أن تَصِحَّ عند مذهبٍ وتَبطُلَ عند آخَر.
والواجب على الغطَّاس أن يحترز قدر وُسعِهِ عَن وصول شيءٍ مِن الماء إلى داخلِ فمه حال صومه، وأساليب ذلك معروفةٌ لأصحاب تلك المهنة، وذلك حفاظًا على عبادَتِه من الفساد، إذ "الْأَخْذُ بِالِاحْتِيَاطِ فِي الْعِبَادَاتِ أَصْلٌ"، كما في "المبسوط" لشمس الأئمة السَّرَخْسِي (1/ 246).
بناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: صوم الرجل المذكور الذي يعمل في مهنة الغطس صحيحٌ شرعًا، ولا حرج عليه في دخول بعض الماء إلى فَمِهِ أثناء صيامه في رمضان، ما دام يَمُجُّهُ ولا يَبتلعُ شيئًا مِنه، فإن وَصَلَ شيءٌ من ذلك إلى حَلْقِهِ وجَوْفِهِ دون قصدٍ منه لم يَفسُد صومُه، إلا أنَّ المستحبَّ له في هذه الحالة أن يقضي يومًا مكانه احتياطًا للعبادة، وخروجًا مِن الخلاف، ما دام في وُسعِهِ ذلك، كما سبق بيانه.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
ما حكم التسعير ومراقبة الأسواق؟ حيث ورد في الأحاديث حرمة التسعير، وأن الله تعالى هو المُسعِّر.
هل يجوز للمرضى المصابين بعدوى وباء كورونا المستجد أن يفطروا في شهر رمضان؟
ما حكم الدعاء بالعتق من النار في شهر رمضان الكريم للأحياء والأموات؟ حيث يقنت إمام المسجد عندنا في شهر رمضان، ويقول في دعائه: «اللهم أعتق رقابنا ورقاب أمواتنا من النار»، فأنكر عليه أحد الناس هذا الدعاء؛ وذلك بحجة أنه لا توجد أحاديث صحيحة في السُّنَّة النبوية قد ذكرتْ أن الأحياء ولا الأموات يعتقون في رمضان، فما حكم الشرع في ذلك؟
ما حكم الشك في عقد نية القضاء وتغييرها إلى تطوع بعد طلوع الشمس؟ حيث سألني بعض الأصدقاء أنَّ عليه قضاء يومٍ من شهر رمضان، ولكنه شَكَّ هل نَوى صيام هذا اليوم قبل الفَجْر أو لا، وكان ذلك الشك بعد طلوع الشمس، فحصل منه أن نَوَى صوم هذا اليوم تطوعًا، فهل يصح ما فعله؟
سائل يقول: نرجو منكم بيان كيف حذر الشرع الشريف الإنسان القادر على العمل والكسب من سؤال الناس ومدى خطورة ذلك على المجتمع.
تسحرت وأنا شاكَّة في طلوع الفجر، ثم تبين لي بعد الانتهاء من الأكل أن وقت الفجر قد انتهى وبدأ النهار، فما حكم ما فعلتُه؟ وما حكم صومي؟ وهل يجب عليَّ قضاء ذلك اليوم؟ وما الحكم لو أفطرتُ وأنا أظنُّ أن الشمس قد غربت ثم تبين أنها لم تغرب بعد؟