ما حكم الدعاء بالعتق من النار في شهر رمضان الكريم للأحياء والأموات؟ حيث يقنت إمام المسجد عندنا في شهر رمضان، ويقول في دعائه: «اللهم أعتق رقابنا ورقاب أمواتنا من النار»، فأنكر عليه أحد الناس هذا الدعاء؛ وذلك بحجة أنه لا توجد أحاديث صحيحة في السُّنَّة النبوية قد ذكرتْ أن الأحياء ولا الأموات يعتقون في رمضان، فما حكم الشرع في ذلك؟
قول الإمام في دعاء القنوت: «اللهم أعتق رقابنا ورقاب أمواتنا من النار» أمرٌ مستحبٌّ ولا حرج فيه؛ لأن الدعاءَ بطلب النجاة من عذاب الله والأمن من عقابه، فالدعاء للأحياء والأموات عبادة مستحبة شرعًا، والعتقاء من الأحياء والأموات في شهر رمضان من النار كُثُر كما دلَّت على ذلك الأحاديث الصحيحة، فرحمة الله واسعة، والرجا منه مقبولٌ، فضلًا منه تعالى وتكرمًا.
المحتويات
أنعم الله عزَّ وجلَّ على هذه الأمة بشهر رمضان الكريم، فما مِن عبدٍ مسلم يتقرب إلى مولاه في هذا الشهر بالصيام والقيام والصدقة وقراءة القرآن وغير ذلك من أنواع الطاعات إلَّا نال الثواب الجزيل والأجر العظيم؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِذَا كَانَتْ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ، صُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ، وَمَرَدَةُ الْجِنِّ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ، فَلَمْ يُفْتَحْ مِنْهَا بَابٌ، وَفُتِحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ، فَلَمْ يُغْلَقْ مِنْهَا بَابٌ، وَنَادَى مُنَادٍ: يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ، وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ، وَلِلَّهِ عُتَقَاءُ مِنَ النَّارِ، وَذَلِكَ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ» أخرجه ابن ماجه في "سننه".
يقول القاضي ابن العربي المالكي في "المسالك في شرح موطأ مالك" (4/ 249، ط. دَار الغَرب الإسلامي): [«وَلِلَّهِ عُتَقَاءُ مِنَ النَّارِ»" اعلموا -وفَّقكم الله ووفَّق لكم المعلِّم- أن لله سبحانه عتقاء من النار في كلِّ ليلةٍ ويومٍ، وفي كلِّ ساعةٍ من كلِّ شهرٍ، ولعتقه أسباب من الطاعات، فلله عتقاء من النار بالتوحيد، وبالصلاة، وبالزكاة، وبالصيام، فعتقاء رمضان بثواب الصيام وبركته، وفي الحديث الصحيح: «والصَّلاةُ نُورٌ، والصَّدَقَةُ بُرهَانٌ، والصَّبْرُ ضِيَاءٌ والْقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ، كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو، فَبَائِعٌ نَفْسَهُ فَمُعتِقُها أَوْ مُوبِقُها» فهذا الحديث يفسر لك معنى قوله: «عتقاء» والحمد لله] اهـ.
وقال الإمام الكَرْمَاني في "شرح المصابيح لابن الملك" (2/ 507، ط. إدارة الثقافة الإسلامية): [«وَلِلَّهِ عُتَقَاءُ مِنَ النَّارِ»؛ أي: يعتق الله عبادًا كثيرًا من النار بحرمة هذا الشهر] اهـ.
طلب المؤمن في الدعاء النجاة من عذاب الله ونار جهنم لا يعني أنه مستحق لدخولها، فشأن المؤمن في الدعاء أن يدعو مولاه عزَّ وجلَّ طمعًا في رضاه ونعيمه وجنته، وخوفًا من سخطه وعقابه وناره؛ يقول تعالى: ﴿وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ﴾ [الأعراف: 56].
قال الإمام النسفي في "مدارك التنزيل وحقائق التأويل" (1/ 574، ط. دار الكلم الطيب): [﴿وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا﴾ حالان؛ أي خائفين من الرد طامعين في الإجابة، أو من النيران وفي الجنان، أو من الفراق وفي التلاق، أو من غيب العاقبة وفي ظاهر الهداية، أو من العدل وفي الفضل] اهـ.
وقد جاء في نصوص الشرع الشريف ما يحث المؤمن على الدعاء وطلب النجاة من عذاب الله، والتعوذ من النار، فمن القرآن الكريم قوله تعالى: ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾ [البقرة: 201].
وقوله عزَّ وجلَّ: ﴿الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾ [آل عمران: 16].
وقوله سبحانه: ﴿وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا﴾ [الفرقان: 65-66].
ومن السُّنَّة النبوية حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يدعو ويقول: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ، وَمِنْ عَذَابِ النَّارِ، وَمِنْ فِتْنَةِ المَحْيَا وَالمَمَاتِ، وَمِنْ فِتْنَةِ المَسِيحِ الدَّجَّالِ» أخرجه البخاري.
وعنه أيضًا أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِذَا تَشَهَّدَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَعِذْ بِاللهِ مِنْ أَرْبَعٍ يَقُولُ: اللهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ، وَمِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ، وَمِنْ شَرِّ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ» أخرجه مسلم.
وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يقول: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الكَسَلِ وَالهَرَمِ، وَالمَأْثَمِ وَالمَغْرَمِ، وَمِنْ فِتْنَةِ القَبْرِ، وَعَذَابِ القَبْرِ، وَمِنْ فِتْنَةِ النَّارِ وَعَذَابِ النَّارِ، وَمِنْ شَرِّ فِتْنَةِ الغِنَى، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الفَقْرِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ المَسِيحِ الدَّجَّالِ، اللَّهُمَّ اغْسِلْ عَنِّي خَطَايَايَ بِمَاءِ الثَّلْجِ وَالبَرَدِ، وَنَقِّ قَلْبِي مِنَ الخَطَايَا كَمَا نَقَّيْتَ الثَّوْبَ الأَبْيَضَ مِنَ الدَّنَسِ، وَبَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ كَمَا بَاعَدْتَ بَيْنَ المَشْرِقِ وَالمَغْرِبِ» أخرجه البخاري.
أما بالنسبة لما يدعيه بعض الناس من أن الدعاء بالعتق من النار لا يصح؛ وذلك بحجة أن مَنْ سَيُعْتَقُ من النار هو كل مَنْ كان يستحق دخولها، ويحتج بأن السُّنَّة الصحيحة ليس فيها هذا الدعاء، فهذا قول مردود عليه، كما بينا في نصوص القرآن والسُّنَّة، بل إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد وصف بعض أصحابه بأنه من عتقاء الله من النار، فعن عائشة رضي الله عنها، أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه دخل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: «أَنْتَ عَتِيقُ اللهِ مِنَ النَّارِ» فَيَوْمَئِذٍ سُمِّيَ عَتِيقًا. أخرجه الترمذي في "جامعه".
ومعلوم أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه لم يكن مستحقًّا للنار، بل مناقبه في الإسلام كثيرة، منها ما وصفه به القرآن الكريم من كونه صاحب النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وذلك في قوله تعالى: ﴿إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا﴾ [التوبة: 40].
قال الإمام النيسابوري في "إيجاز البيان عن معاني القرآن" (1/ 379، ط. دار الغرب الإسلامي): [مكث النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثلاثًا مع أبي بكر رضي الله عنه في نقب في جبل بمكة يقال له: ثور] اهـ.
وهو أيضًا أحد العشرة المبشرين بالجنة بل أولهم، كما جاء في حديث عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «أَبُو بَكْرٍ فِي الجَنَّةِ، وَعُمَرُ فِي الجَنَّةِ، وَعُثْمَانُ فِي الجَنَّةِ، وَعَلِيٌّ فِي الجَنَّةِ، وَطَلْحَةُ فِي الجَنَّةِ وَالزُّبَيْرُ فِي الجَنَّةِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ فِي الجَنَّةِ، وَسَعْدٌ فِي الجَنَّةِ، وَسَعِيدٌ فِي الجَنَّةِ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الجَرَّاحِ فِي الجَنَّةِ» أخرجه الترمذي في "جامعه".
بناء على ذلك وفي واقعة السؤال: فإن قول الإمام في دعاء القنوت: «اللهم أعتق رقابنا ورقاب أمواتنا من النار» أمرٌ مستحبٌّ ولا حرج فيه؛ لأن الدعاءَ بطلب النجاة من عذاب الله والأمن من عقابه؛ فالدعاء للأحياء والأموات عبادة مستحبة شرعًا، والعتقاء من الأحياء والأموات في شهر رمضان من النار كُثُر كما دلَّت على ذلك الأحاديث الصحيحة، فرحمة الله واسعة، والرجا منه مقبولٌ، فضلًا منه تعالى وتكرمًا.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
ورد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «إِذَا صَلَّيْتُمْ عَلَى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فَأَحْسِنُوا الصَّلاَةَ عَلَيْه» فما كيفية هذا الإحسان؟ وهل يجب الالتزام بالوارد فقط؟
ما حكم الدعاء داخل الصلاة بقضاء حاجة من حوائج الدنيا، وهل تبطل الصلاة بذلك؟
ما حكم التأمين عند المرور بآية دعاء في الصلاة، والسؤال عند المرور بآية رحمة، والاستعاذة عند المرور بآية عذاب؟
ما الوقت الشرعي لقراءة أذكار الصَّباح والمساء؟ وهل يجوز قراءتها بعد طلوع الشمس أو بعد غروبها؟
هل يجوز الإفطار في رمضان لرجلٍ كبير في السن وعند صيامه شهر رمضان يصاب بصداع دائم في رأسه، ويشمل الصداع جميع الرأس والأذنين ولا يمكنه القيام بأي عمل في شهر رمضان؟