ما حكم إخراج زكاة الفطر لأسر شهداء الشعب الفلسطيني في غزة هذه الأيام؟ وذلك بسبب الظروف القاسية التي يمرون بها من جراء الاعتداء الغاشم عليهم من العدو الإسرائيلي.
شُرعت الزكاة أصالةً لأجل بناء الإنسان وسد حاجاته وكفاية متطلبات معيشته، فإذا تعلق الأمر باستبقاء المُهَج واستنقاذ الأرواح، ومواجهة خطر الجوع والعطش والمرض -كما هو حال أهلنا في غزة في فلسطين في هذه الآونة، نصرهم الله على أعدائهم- فإن توجيه الزكاة بنوعيها زكاة المال وزكاة الفطر ونقلها إليهم جائز شرعًا، ولا حرج في ذلك، شريطة أن يكون ذلك عن طريق القنوات الرسمية والقانونية والمعتمدة، ضمانًا لوصول الأموال إلى مستحقيها.
المحتويات:
زكاة الفطر: هي مقدار مُتَقَوَّم من المال يَجِبُ على المسلم، صغيرًا كان أو كبيرًا، ذكرًا أو أنثى، بغروب شمس آخر يوم من شهر رمضان المبارك، يُخرجها المسلم عن نفسه وأهله ممن تلزمه نفقتهم إذا مَلَك قيمتها فائضًا عن قوته وقوت عياله وقت وجوبها، وهو يوم عيد الفطر وليلته، ويجوز إخراجها بدءًا من إهلال رمضان.
وقد حدَّد النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم زكاةَ الفطر صاعًا من تمرٍ أو شعيرٍ أو قمح أو ما كان من قُوتِ أهل البلد، ويُقدَّر الصاعُ من القمح عند جمهور الفقهاء -ما عدا الحنفية- بكيلوجرامين وأربعين جرامًا تقريبًا، وعند الحنفية يجب في زكاة الفطر نصفُ صاعٍ إذا أخرج المزكي قمحًا، وصاعٌ إذا أخرج غيره، ويُقدَّر الصاعُ عندهم بثلاثة كيلوجرامات وربع الكيلوجرام تقريبًا، ومن ثم فيكون نصفُه كيلوجرامًا واحدًا وستمائة وخمسة وعشرين جرامًا تقريبًا، وذلك على كُلِّ نَفْسٍ من المسلمين، كما في حديث عبد الله بن عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: «أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فَرَضَ زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، عَلَى كُلِّ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ، ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى مِنَ الْمُسْلِمِينَ» متفقٌ عليه. وفي رواية عند الإمام البخاري: «عَلَى الْعَبْدِ وَالْحُرِّ، وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، وَالصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ».
الحكمة من مشروعيتها: التزكية للصائم، والطُّهْرة له، وجبرُ نقصان ثواب الصيام، والرفق بالفقراء، وإغناؤهم عن السؤال في مناسبة العيد، وجبر خواطرهم، وإدخال السرور عليهم، في يوم يُسَرُّ فيه المسلمون، كما في حديث عبد الله بن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قال: «فَرَضَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الْفِطْرِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ، وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ» أخرجه الأئمة: أبو داود، وابن ماجه، والبيهقي، والحاكم.
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال في زكاة الفطر: «أَغْنُوهُمْ فِي هَذَا الْيَوْمِ» أخرجه الإمام الدَّارَقُطْنِي. وفي رواية: «أَغْنُوهُمْ عَنِ الطَّوَافِ فِي هَذَا الْيَوْمِ» أخرجه الأئمة: ابن وهب في "جامعه"، وابن زَنْجَوَيْه في "الأموال"، والبَيْهَقي.
قال الإمام شمس الدين الحَطَّاب في "مواهب الجليل" (2/ 365، ط. دار الفكر): [حكمة مشروعيتها: الرفق بالفقراء في إغنائهم عن السؤال يوم الفطر] اهـ.
المقرر أن مصارف زكاة الفطر هي مصارف زكاة المال، وهم الأصناف الثمانية الذين جاء ذكرهم في قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ [التوبة: 60]؛ فقد جعلت الشريعة الإسلامية كفاية الفقراء والمساكين هو آكد ما تصرف فيه الزكاة؛ حيث كانوا في صدارة مصارف الزكاة الثمانية -كما في الآية الكريمة-؛ للتأكيد على أولويتهم في استحقاقها، وأن الأصل فيها كفايتهم وإقامة حياتهم ومعاشهم، وخصَّهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالذكر في حديث إرسال معاذ رضي الله عنه إلى اليمن: «فَإن هم أَطاعُوا لَكَ بذلكَ فأَخبِرهم أَنَّ اللهَ قد فَرَضَ عليهم صَدَقةً تُؤخَذُ مِن أَغنِيائِهم فتُرَدُّ على فُقَرائِهم» متفق عليه.
إذا تعلق الأمر باستبقاء المُهَج واستنقاذ الأرواح، ومواجهة خطر الجوع والعطش والمرض -كما هو حال أهلنا في غزة في فلسطين في هذه الآونة- فإن توجيه الزكاة في حقهم يصير مِن آكد الواجبات الشرعية على المسلمين في شتى بقاع الأرض.
وإخراج زكاة الفطر لإغاثة أهلنا من الشعب الفلسطيني في غزة -نصرهم الله على أعدائهم- هو ما يعرف في الفقه الإسلامي بنقل الزكاة من بلدٍ إلى بلدٍ آخر، والأصل في زكاة الفطر أنها فرضت أصالةً لإغناء فقراء كل بلد عن الحاجة في العيد، إلا أن الشريعة السمحاء أجازت نقل الزكاة عند اشتداد الحاجة في البلد المراد نقلُ الزكاة إليها على مستوى الأفراد أو الجماعات، فقد كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يأتيه المحتاجون فيُنظِرُهم حتى تأتيَه الزكاة من خارج المدينة ليُعطيَهم منها، وكان عُمَّال النبي صلى الله عليه وآله وسلم يرسلون إلى المدينة بجزء من الزكاة، فكان معاذ بن جبل رضي الله عنه ينقل مِن زكاة أهل اليمن إلى المهاجرين والأنصار بالمدينة لحاجتهم وفقرهم، فعن معاذ رضي الله عنه أنه قال لأهل اليمن: «ائْتُونِي بِعَرْضٍ ثِيَابٍ خَمِيصٍ -أَوْ لَبِيسٍ- فِي الصَّدَقَةِ مَكَانَ الشَّعِيرِ وَالذُّرَةِ؛ أَهْوَنُ عَلَيْكُمْ، وَخَيْرٌ لِأَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ» علَّقه البخاري ووصله البيهقي.
قال الحافظ العيني في "عمدة القاري شرح صحيح البخاري" (9/ 5، ط. دار إحياء التراث العربي): [وما نقَلَ الزكاةَ إلى المدينة إلا بأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، بعثه لذلك، ولأنه يجوز نقلها إلى قوم أحوج من الفقراء الذين هم هناك، وفقراء المهاجرين والأنصار أحوج للهجرة وضيق حال المدينة في ذلك الوقت] اهـ.
وعن قبيصة بن مُخارق الهلالي رضي الله عنه قال: تَحَمَّلْتُ حَمَالَةً، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وسلَّم أسألُه فيها، فقال: «أَقِمْ حَتَّى تَأْتِيَنَا الصَّدَقَةُ، فَنَأْمُرَ لَكَ بِهَا...» أخرجه الإمام مسلم.
قال الإمام الخطابي في "معالم السنن" (2/ 68، ط. المطبعة العلمية): [وفي قوله: «أَقِمْ حَتَّى تَأْتِيَنَا صَدَقَةٌ فَنَأْمُرَ لَكَ بِهَا» دليلٌ على جواز نقل الصدقة من بلد إلى أهل بلد آخر] اهـ.
والذي عليه الفتوى هو جواز نقل الزكاة من بلد المزكي إلى بلد آخر يكون مستحقو الزكاة أكثر حاجة إليها من بلد المزكي، وهو ما عليه جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية على تفصيل بينهم في ذلك.
فعند الحنفية: يكره نقل الزكاة من بلد إلى بلد آخر لغير حاجة، فإن كان هناك فقير أحوج إلى الزكاة من الفقير الذي في بلد المزكي جاز نقل الزكاة بلا كراهة.
قال الإمام فخر الدين الزيلعي في "تبيين الحقائق" (1/ 305، ط. المطبعة الأميرية): [(وكره نقلها إلى بلد آخر لغير قريب وأحوج) أي كره نقل الزكاة إلى بلد آخر لغير قريب ولغير كونهم أحوج، فإن نقلها إلى قرابته أو إلى قوم هم إليها أحوج من أهل بلده لا يكره] اهـ.
وعند المالكية: إذا وجد في بلد مستحقون للزكاة أكثر من بلد المزكِّي، أعطى المزكي جزءًا لأهل بلده ونقل الجزء الآخر إلى بلد الحاجة.
قال الإمام القرافي في "الذخيرة" (3/ 152، ط. دار الغرب الإسلامي): [فإن بلغه حاجة من غير بلده أعطى منه أهل بلده ثم نقله إلى بلد الحاجة، قال سند: إن كان موضع الزكاة ليس فيه مستحق نقلت للأقرب إليه لخفية المؤنة، وإن كان فيه مستحق لكن حاجة غيره أشد نقلها، كما نقل عمر رضي الله عنه زكاة مصر إلى الحجاز، وإن لم تكن حاجة غيره أشد، فقول (ح) و(ش) وغير المشهور عن مالك: النقل] اهـ.
وعند الشافعية يجوز النقل في قولٍ مطلقًا دون التقييد بالحاجة؛ عملًا بعموم إطلاق قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ [التوبة: 60].
قال الإمام الخطيب الشربيني في "مغني المحتاج" (4/ 191، ط. دار الكتب العلمية): [(والأظهر منع نقل الزكاة) من بلد الوجوب الذي فيه المستحقون إلى بلد آخر فيه مستحقوها فتصرف إليهم، قالوا لخبر "الصحيحين": «صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم»، ولامتداد أطماع أصناف كل بلدة إلى زكاة ما فيه من المال والنقل يوحشهم. والثاني: الجواز لإطلاق الآية، وليس في الحديث دلالة على عدم النقل] اهـ.
والقول بجواز نقل الزكاة إلى مصارفها الشرعية في غير بلدها عند الحاجة وللمصلحة هو ما استقرت عليه الفتوى في دارِ الإفتاءِ المصرية وتعاقب عليه المفتون، وهو مشروط بأن يكون عن طريق القنوات الرسمية والقانونية والمعتمدة، ضمانًا لوصول الأموال إلى مستحقيها.
بناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فإن الزكاة شُرعت أصالةً لأجل بناء الإنسان وسد حاجاته وكفاية متطلبات معيشته، فإذا تعلق الأمر باستبقاء المُهَج واستنقاذ الأرواح، ومواجهة خطر الجوع والعطش والمرض -كما هو حال أهلنا في غزة في فلسطين في هذه الآونة، نصرهم الله على أعدائهم- فإن توجيه الزكاة بنوعيها زكاة المال وزكاة الفطر ونقلها إليهم جائز شرعًا، ولا حرج في ذلك، شريطة أن يكون ذلك عن طريق القنوات الرسمية والقانونية والمعتمدة، ضمانًا لوصول الأموال إلى مستحقيها.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
هل يجوز صرف زكاة المال على صورة شراء أدوية للمرضى الفقراء، وكذلك على صورة شراء أجهزة لمستشفى حكومي تحتاجها وتعجز عن شرائها؟
هل يجوز بناء مسجد من أموال الزكاة؟ حيث يوجد بقريتنا مسجد آيل للسقوط، ومطلوب إزالته وإعادة بنائه، وقد بدأنا حملة تبرعات، ولكن الحصيلة لا تكفي. فهل يمكن أن يُحَصَّلَ ولو جزء من زكاة كل مزارع من أهل القرية لإعادة بناء المسجد؟ ولا سيما أن المسجد يبعد عن أقرب مسجد بالقرية مسافة خمسمائة متر تقريبًا، وفي ذلك مشقة لكبار السن، وخاصة في صلاة الفجر وأيام المطر وخلافه.
جمعية خيرية تم تسجيلها في وزارة الشؤون الاجتماعية، والغرض منها هو مساعدة المرضى غير القادرين للحصول على خدمات علاجية مميزة عن طريق العلاج في المركز الخيري الطبي الذي أنشئ خصيصًا لهذا الغرض.
والسؤال: هل يجوز للجمعية الصرف من أموال الزكاة لتسديد الديون المتراكمة على الجمعية لصالح كلٍّ من: التأمينات الاجتماعية، ووزارة الكهرباء، ومصلحة الضرائب؟
وهل يجوز للجمعية الصرف من أموال الزكاة على تطوير أماكن تقديم الخدمات الطبية للمرضى القادرين وغير القادرين، مثل: أماكن الإقامة، وغرف العمليات، والبنية التحتية؟
ما حكم الزكاة للأخ إذا كان ابنه غنيًّا؟ فإن للسائل ابنًا يعمل بالسعودية، وقد تعود أن يدفع إليه بزكاة ماله؛ ليقوم بصرفها على الوجوه التي بيَّنها الله سبحانه وتعالى في قوله: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ﴾ .. إلخ الآية. ويقول السائل إن له أخًا يقيم في جرجا يمتلك ثلاثة قراريط ونصفًا أرضًا زراعية، ودكانًا مغلقًا، وعربة نقل يعمل عليها؛ ليصرف من دخلها على بيته ويسدد بعض ما عليه من الديون مما يتبقى من دخلها، كما أن له ابنًا يعمل مدرسًا بالكويت يساعده قدر استطاعته.
ويسأل السائل هل أخوه بوضعه هذا يدخل ضمن مصاريف الزكاة حتى يستطيع أن يدفع له من مال زكاة ابنه؟
جمعية خيرية تخضع لأحكام قانون ممارسة العمل الأهلي رقم (149) لسنة 2019م ولائحته التنفيذية، وتمارس الجمعية العديد من الأنشطة، وتسأل عن الحكم الشرعي في الآتي:
- جمع الزكاة والصدقات للصرف منها على علاج الفقراء والمساكين، والقوافل الطبية، وإنشاء العيادات، وتوفير الأجهزة الطبية اللازمة، وتوفير مواد الإغاثة اللازمة في حال الأزمات والكوارث.
- جمع الزكاة والصدقات والصرف منها على المساعدات الخارجية، وبالأخص إغاثة غزة والسودان.
- جمع زكاة الفطر وصكوك الأضاحي وصرفها على الفقراء والمساكين وذوي الحاجة.
ما حكم نقل الزكاة والصدقات من المصريين بالخارج؟ فلي شقيقة تعيش في أمريكا مع زوجها، وعندهم خمسة من الأولاد كلهم مسلمون ومحافظون على الدين الإسلامي ويعظمون أركانه، ويعيشون عيشة هادئة في مجتمع يتبادلون فيه مع من يتعاملون معهم من مجاملات، فما مدى شرعية إرسالهم الزكاة والصدقات والتبرعات والمساعدات بأنواعها إلى مصر؟