حكم شراء الزكاة بعد التسليم للفقير

تاريخ الفتوى: 24 فبراير 2025 م
رقم الفتوى: 8604
من فتاوى: فضيلة أ. د/ نظير محمد عياد - مفتي الجمهورية
التصنيف: الزكاة
حكم شراء الزكاة بعد التسليم للفقير

ما حكم شراء الزكاة بعد التسليم للفقير؟ فأنا صاحب محل تجاري أُخرج زكاة مالي حبوبًا لمستحقيها، ثم يأتيني أحد المستحقين لبيع ما أخَذَه، فأشتريه منه بأقل من ثمنه الحقيقي؛ فما حكم ذلك؟

يجوز لـمَن أعطيت له الزكاة حبوبًا أن يبيعها لمن أعطاها له، إذا كان البيع بثمن المثل أو أعلى منه، فإن كان البيع بأقل من ثمن المثل حياء أو مراعاة لكون المشتري هو صاحب الزكاة قَبْلًا، فيحرم حينئذ البيع والشراء، لما فيه من مخالفة المقصد الأسمى من الزكاة وهو سد حاجة المستحق، وتملكه لها تملكًا تامًّا مع إطلاق التصرف فيها من غير محاباة المزكِّي أو الحياء منه.

المحتويات:

 

بيان أن الفقراء مصرفٌ من مصارف الزكاة في الإسلام

الزكاة ركن من أركان الإسلام، شُرعت تطهيرًا للمال، وإغناءً لمستحقيها عن ذل السؤال، ببركتها ينمو المال، ويزكو صاحبها عند الواحد المتعال، ولها مصارف محددة لا تُصْرَفُ إلا إليها، ومِن هذه المصارف الفقراء، قال تعالى: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ [التوبة: 60].

قال الإمام ابن جرير الطبري في "جامع البيان" (11/ 509، ط. دار هجر) عند تفسيره لهذه الآية: [يقول تعالى ذكره: لا تنال الصدقات إلا للفقراء والمساكين ومن سماهم الله جل ثناؤه] اهـ.

حكم شراء المزكّي الزكاة بعد تسليمها للفقير

للبيع أركان إذا تمت مستوفية شروطها فإنَّه يكون صحيحًا، بيد أنه قد تعتريه بعض الأمور تُؤثِّر في حكمه التكليفي من حيث الكراهة أو التحريم، كما هو الحال في شراء الصدقة ممن تَصدَّق عليه بها الإنسان؛ حيث روى الإمام البخاري في "صحيحه" عن زيد بن أسلم عن أبيه، قال: سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه، يقول: حملت على فرس في سبيل الله، فابتاعه أو فأضاعه الذي كان عنده، فأردتُ أن أشتريه، وظننتُ أنَّه بائعه برخص، فسألت النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: «لا تشتره وإن بدرهم، فإن العائد في هبته كالكلب يعود في قيئه».

وقد اختلف الفقهاء في حكم شراء الإنسان الصدقة ممن تصدق بها عليه، بناء على دلالة الحديث السابق، فذهب المالكية في المشهور عندهم والشافعية والإمام أحمد في رواية إلى جواز الشراء لكن مع الكراهة، وحملوا النهي الوارد في الحديث على الكراهة لا التحريم.

قال العَلَّامة النَّفرَاوي المالكي في "الفواكه الدواني" (2/ 157، ط. دار الفكر): [(لا يرجع الرجل) المراد المتصدق (في صدقته) والمعنى: أنَّه يكره لمن تصدق بشيء أن يتملكه بشراء أو غيره من أسباب الملك] اهـ.

وقال العلامة شمس الدين الرملي في "نهاية المحتاج" (6/ 169، ط. دار الفكر): [يكره لمن تصدق بشيء أن يتملكه ممن دفعه له بغير نحو إرث] اهـ.

وقال العلامة المرداوي الحنبلي في "الإنصاف" (3/ 107، ط. دار إحياء التراث): [اعلم أن الصحيح من المذهب: أنه لا يجوز للإنسان شراء زكاته مطلقا، وعليه جماهير الأصحاب، ونص عليه، وقدمه في الفروع، وقال: هو أشهر، قال المجد في "شرحه": صرح جماعة من أصحابنا وأهل الظاهر أن البيع. باطل... وعنه يباح شراؤها كما لو ورثها، نص عليه، وأطلقهن في "الحاويين"] اهـ.

وذهب الحنفية والأوزاعي إلى القول بأن شراء الصدقة ممن تصدق إليه جائز ولا كراهة فيه؛ لأنه استبدال وليس برجوع ومن ثم فلا يشمله النهي الوارد في الحديث.

قال العلامة الطحاوي في "مختصر اختلاف العلماء" (1/ 439، ط. دار البشائر الإسلامية): [في ارتجاع صدقته بالبيع: قال أصحابنا لا بأس لمن أخرج زكاته أو كفارة يمينه أن يشتريه ممن دفعه إليه وهو قول الأوزاعي] اهـ.

وقال العلامة السرخسي في "شرح السير الكبير" (ص: 2080، ط. الشركة الشرقية): [فإن المذهب عند بعضهم أن من تصدق بفرس على رجل، ثم أراد أن يشتريه من المتصدق عليه، أو من غيره، فإنه يكره له ذلك، وهو مذهب ابن عمر رضي الله تعالى عنهما، حتى قال: يكره له أن يشتريه، وإن اشتراه بأضعاف قيمته، واستدلوا بهذا الحديث، فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عمر رضي الله تعالى عنه عن ذلك، وجعل شراءه رجوعا في الصدقة، والرجوع في الصدقة حرام، وعندنا لا يكره؛ لأنه استبدال وليس برجوع] اهـ.

وذهب بعض المالكية والحنابلة في الصحيح عندهم إلى حرمة شراء الصدقة ممن تصدق إليه، وقالوا إن النهي الوارد في الحديث إنما هو للتحريم لا الكراهة، ومن ثم فيحرم شراء المزكي زكاته ممن أداها إليه.

قال العلامة النَّفرَاوي في "الفواكه الدواني" (2/ 157): [قال اللخمي: ومشهور المذهب حمل النهي على الندب، وحمله الدَّاودِي على التحريم، واستظهره ابن عرفة وأبو الحسن] اهـ.

وقال العلامة ابن مفلح في "الفروع" (4/ 375، ط. مؤسسة الرسالة): [يحرم شراء زكاته، نص عليه، وهو أشهر، قال صاحب "المحرر": صرح جماعة من أصحابنا وأهل الظاهر بأن البيع باطل، واحتج أحمد رحمه الله بقوله عليه السلام: "لا تشتره ولا تعد في صدقتك" ولأنه وسيلة إلى استرجاع شيء منها؛ لأنه يسامحه رغبة أو رهبة] اهـ.

وهؤلاء قالوا بفسخ البيع لكون النهي للتحريم يقتضي فساد البيع، قال العلامة أبو الوليد الباجي في "المنتقى" (2/ 181، ط. مطبعة السعادة): [أما حكم الارتجاع إذا وقع ففي "الموازية" قد أجاز بعض العلماء شراء الرجل صدقته وكرهه بعضهم، فإن نزل عندنا لم نفسخه، وبهذا قال القاضي أبو محمد، وهو قول أبي حنيفة والشافعي، وقال الشيخ أبو إسحاق يفسخ الشراء؛ لنهي النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن ذلك، والقولان يتخرَّجان من المذهب] اهـ.

ونقل بطلان البيع العلامة ابن مفلح كما ورد في النص السابق بقوله: [قال صاحب "المحرر": صرح جماعة من أصحابنا وأهل الظاهر بأن البيع باطل] اهـ.

وأمَّا على قول من قال بالكراهة فالبيع لا يفسد عندهم لكون الكراهة لا تقتضي الفساد على قول الأكثرين، قال العلامة العلائي في "تحقيق المراد" (ص: 63-64، ط. دار الكتب الثقافية): [وأما نهي الكراهة فالذي يشعر به كلام الأكثرين وصرح به جماعة أنه لا خلاف فيه، وذلك ظاهر إذ لا مانع من الاعتداد بالشيء مع كونه مكروها] اهـ.

ومُدْرَك النهي في شراء الصدقة ممن أعطيت إليه -كما أفادته عبارة الموفَّق ابن قدامة في "المغني" (2/ 486، ط. مكتبة القاهرة)- أَنَّ في شرائه لها وسيلة إلى استرجاع شيء منها؛ لأن الفقير يستحي منه، فلا يساومه في ثمنها، وربما رخصها له طمعا في أن يدفع إليه صدقة أخرى، وربما علم أنه إن لم يبعه إياها استرجعها منه أو توهم ذلك، وما هذا سبيله ينبغي أن يجتنب. والنهي عن شراء المتصدق الصدقة ممن أعطيت له إنما يشمل الزكاة الواجبة من باب؛ أولى لإطلاق اللفظ في الحديث ونصوص الفقهاء، فالنهي يشمل الصدقة المندوبة والواجبة، وقد ألحق الإمام مالك الزكاة بالصدقة في ذلك.

قال الإمام شهاب الدين القرافي في "الذخيرة" (6/ 261، ط. دار الغرب الإسلامي): [وألحق مالك الزكاة الواجبة بالتطوع] اهـ.

المختار للفتوى في حكم شراء المزكّي الزكاة بعد تسليمها للفقير

الأَوْلَى بالاختيار هو القول القائل بجواز البيع والشراء، فهو استبدال وليس رجوعًا في الصدقة أو الزكاة، وذلك متى كان البيع بثمن المثل أو أعلى منه، فإن ظَهَر الحياء أو الرَّهبة مِن البائع أو الرغبة من المشتري وكان البيع بأقل مِن ثمن الـمِثْل فيحرم حينئذ؛ لأنَّ ما أخذ بسيف الحياء فهو حرام، ولأنَّ في البيع بأقل من ثمن المثل وسيلة إلى استرجاع شيء منها لمسامحة البائع فيه رغبة أو رهبة.

الخلاصة

بناءً على ما سبق وفي واقعة السؤال: فيجوز لـمَن أعطيت له الزكاة حبوبًا -أن يبيعها لمن أعطاها له، إذا كان البيع بثمن المثل أو أعلى منه، فإن كان البيع بأقل من ثمن المثل حياء أو مراعاة لكون المشتري هو صاحب الزكاة قَبْلًا، فيحرم حينئذ البيع والشراء، لما فيه من مخالفة المقصد الأسمى من الزكاة وهو سد حاجة المستحق، وتملكه لها تملكًا تامًّا مع إطلاق التصرف فيها من غير محاباة المزكِّي أو الحياء منه.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

ما حكم احتفاظ لجنة توزيع الزكاة ببعض مال الزكاة للإنفاق منه على مدار العام في أوجه الخير لسد حاجة الفقراء والمساكين؟ فإن بعض الأهالي بالمنطقة يتقدّمون بزكاة أموالهم إلى لجنة الزكاة بمسجدٍ، ويكون معظم ذلك في شهر رمضان المبارك، وتقوم اللجنة بالإنفاق من هذه الأموال بتوزيع إعانات عينيةٍ ونقديةٍ على الفقراء المستَحِقِّينَ، ثُمَّ يتبقى من أموال الزكاة مبلغ يتم الإنفاق منه على الفقراء المرضى؛ وذلك بالمساعدة في توفير احتياجاتهم من الدواء، أو المساعدة في أجر العمليات الجراحية، أو استغلاله في مواجهة الظروف الطارئة؛ مثل الحوادث والحرائق وما إلى ذلك على مدار العام، كما يتم الإنفاق من هذه الأموال على مشروع كفالة الأيتام والأرامل بصرف معاشٍ شهريٍّ للأُسر المُستَحِقَّة على مدار العام.


نرجو مِن سيادتكم التكرم بإفادتنا في حالة التبرع والمساهمة في تشطيب وتجهيز مستشفًى حكوميٍّ بالمُعدات والأجهزة الطبية والفَرش والأثاث. عِلمًا بأن هذا المستشفى هو مستشفًى جامعي لِجِراحات القلب، ومِن أنشِطَتِها: علاج المرضى بِالمَجَّان، وجزء منه اقتصادي، وجزء منه مدفوع الأجر. نرجو إفادتنا؛ هل هذا يدخل تحت أيٍّ مِن هذه البنود:
هل تجهيز المستشفى يُعتَبَرُ إنفاقًا في سبيل الله (مخارج الزكاة)؟ هل يُعتَبَرُ صدقةً جارية؟ هل يُعتَبَرُ صدقة؟ هل يُعتَبَرُ زكاةً؟ هل يُعتَبَرُ عِلمًا يُنتَفَعُ به؛ حيث إنه يَتِمُّ به تعليمُ جميع الطلاب بالكلية؟ نرجو التوضيح إذا كان يَصلُحُ في أكثر مِن بَندٍ مِن هذه البُنُود. ولسيادتكم جزيل الشكر والاحترام.


ورد إلينا السؤال التالي: جمعية خيرية لديها مركز طبي لعلاج غير القادرين، وتريد أن تنفق في تشغيل هذا المركز من زكاة المال؛ فما حكم الشرع في ذلك؟


ما الحكم الشرعي في زكاة الثمار؟ وعما إذا كانت الزكاة في كل ما تخرجه الأرض أم من الناتج الصافي بعد خصم مصاريف المشال والعمولة من ثمار وفاكهة البرقوق وهو المحصول الرئيس للبلدة؟


ما حكم اقتناء الحيوانات الطاهرة والانتفاع بها وتداولها بالبيع والشراء؟ وما حكم لعب الأطفال الصغار مع الطيور؟


ما حكم الرجوع في البيع لعدم سداد باقي الثمن؟ حيث أن جمعية زراعية خصَّصت للسائل مساحةَ أرض زراعية مقدارها عشرون فدانًا، ومساحة أخرى للبناء ومقدارها سبعمائة وثمانية وعشرون مترًا مربعًا وذلك سنة 1978م، وقد باعها السائلُ لإحدى السيدات سنة 1983م مقابل مبلغ قدره ثلاثون ألف جنيه قامت بسدادها المشترية كاملة، وقامت بالتوقيع على العقد بحضور زوجها، وضمن نصوص العقد المحرر بينهما أنه على المشترية الالتزام بالتقدم للجمعية لاستكمال إجراءات تثبيت الملكية وكذلك سداد الأقساط التي تطالب بها الجمعية، إلا أنه فوجئ باستمرار الجمعية في مخاطبته كمالكٍ ومطالبته بالأقساط المتأخرة حتى بلغت اثني عشر ألفًا وثمانمائة وثلاثين جنيهًا، ثم تسلم إنذارًا من الجمعية أخيرًا بسداد المبلغ المتبقي وإلا اعتبر العقد مفسوخًا مع الالتجاء إلى القضاء، علمًا بأن المشترية قد اختفت.
والسؤال الذي يطرحه السائل: هل يقع عليَّ ذنبٌ لو تصرفت ببيع الأرض لسداد مستحقات الجمعية واسترداد ما سبق سداده إلى الجمعية قبل البيع والاحتفاظ للمشترية بالمبلغ الذي سبق لها سداده عند الشراء وهو الثلاثون ألفًا يضاف إليها قيمة الأرباح المستحقة طول الفترة السابقة، أم أترك الأرض بصورتها الصحراوية للجمعية وأنهي العلاقة معها دون مسؤولية أدبية من جانبي عن ضياع أموال المشترية؟


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 01 يونيو 2025 م
الفجر
4 :10
الشروق
5 :54
الظهر
12 : 53
العصر
4:29
المغرب
7 : 52
العشاء
9 :24