ما حكم تقسيم الأضحية المنذورة أثلاثا؟ فقد نذر رجلٌ أن يضحي، ثم اشترى شاةً وذبحها في عيد الأضحى وفاءً بالنذر، وقسمها ثلاثة أقسام: فادَّخَر ثُلُثَها، وأخرَج باقيها ما بين هدية وصدقة، فهل ما فَعَله صحيحٌ شرعًا؟
تقسيم الأضحية المنذورة غير المعيَّنة لجهةٍ محددةٍ -كالفقراء والمساكين أو غيرهم- أثلاثًا كشأن المستحب في الأضحية المعهودة، بأن يدَّخَر المضحي ثُلُثَها، ويهدي ثُلُثَها، ويتصدق بثُلُثها -هو تصرفٌ صحيحٌ وجائزٌ شرعًا، ولا إثم في ذلك ولا حرج.
المحتويات
الأضحية شعيرةٌ مِن شعائر الدِّين، ومَعْلَمٌ مِن معالِمِه الثابتة، قال الله تعالى: ﴿وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ﴾ [الحج: 36]، وعن السيدة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أَنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَا عَمِلَ آدَمِيٌّ مِنْ عَمَلٍ يَوْمَ النَّحْرِ أَحَبَّ إِلَى اللهِ مِنْ إِهْرَاقِ الدَّمِ، إِنَّهُ لَيَأْتِي يَوْمَ القِيَامَةِ بِقُرُونِهَا وَأَشْعَارِهَا وَأَظْلَافِهَا، وَأَنَّ الدَّمَ لَيَقَعُ مِنَ اللهِ بِمَكَانٍ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ مِنَ الْأَرْضِ، فَطِيبُوا بِهَا نَفْسًا» أخرجه الأئمة: الترمذي -واللفظ له- وابن ماجه والبيهقي في "السنن". وفي رواية: «وَأَنَّهَا لَتَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ» أخرجها الحاكم في "المستدرك" وقال: حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
وقد فَعَلها النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فعن أنس رضي الله عنه قال: «ضَحَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ، ذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ، وَسَمَّى وَكَبَّرَ، وَوَضَعَ رِجْلَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا» متفقٌ عليه.
الأضحية سُنَّةٌ مؤكدة للموسِر القادر عليها على المختار للفتوى، وهو مذهب جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة -كما في "حاشية الإمام الدُّسُوقِي المالكي على الشرح الكبير" (2/ 118، ط. دار الفكر) و"المجموع" للإمام شرف الدين النَّوَوِي الشافعي (8/ 385، ط. دار الفكر)، و"المغني" للإمام مُوفَّق الدين ابن قُدَامَة الحنبلي (9/ 435، ط. مكتبة القاهرة)-، خلافًا للحنفية الذين قالوا بوجوبها على الموسِر متى بَلَغ مالُه النصابَ فائضًا عن حاجته الأصلية وحاجة مَن يعول -كما في "المحيط البرهاني" للإمام برهان الدين ابن مَازَه (6/ 85، ط. دار الكتب العلمية)-، ومع ذلك تصير واجبةً بالنذر عند الجمهور، ويتأكد وجوبُها به عند الحنفية، ومِن ثَمَّ فيجب على الناذر الوفاءُ بها؛ إذ مِن المقرر شرعًا أنه يجب على المُكلَّف الوفاءُ بنذرِ الطاعة عند القُدرة عليه؛ لقول الله تعالى في مُحكَم التنزيل: ﴿وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ﴾ [البقرة: 270]، وقوله تعالى: ﴿ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ﴾ [الحج: 29]، وقوله تعالى في بيان صفات الأبرار: ﴿يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا﴾ [الإِنسان: 7].
وعن السيدة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللهَ فَلْيُطِعْهُ، وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَهُ فَلَا يَعْصِهِ» أخرجه الإمام البخاري.
وعن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي نَذَرْتُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَنْ أَعْتَكِفَ لَيْلَةً فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، قال صلى الله عليه وآله وسلم: «فَأَوْفِ بِنَذْرِكَ» متفقٌ عليه.
وقد اتفق الفقهاء على وجوب الوفاء بنذر الطاعة عند الاستطاعة والقُدرة.
قال الإمام ابن القَطَّان في "الإقناع" (1/ 375، ط. دار الفاروق الحديثة): [لا خلاف أنَّ النذر بالطاعة يلزم الوفاء به] اهـ.
مِن الأمور المستحبة في حق الأضحية المعهودة إذا لم تكن منذورةً أن تقسَّم إلى ثلاثةِ أثلاثٍ: بحيث يأكل المضحي ثلثَها، ويهدي ثلثَها لأقاربه وأصحابه، ويتصدق بثلثِها للفقراء والمساكين؛ لقول الله تعالى: ﴿فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [الحج: 36].
قال الإمام القُرْطُبِي في "الجامع لأحكام القرآن" (12/ 44-47، ط. دار الكتب المصرية) عند تفسير الآية الكريمة: [﴿فَكُلُوا مِنْهَا﴾ أمرٌ معناهُ النَّدبُ عند الجمهور... ذَهب أكثرُ العلماءِ إلى أنَّه يُستَحبُّ أن يَتصَدَّقَ بالثُّلثِ، ويُطعِمَ الثُّلثَ، ويَأكُلَ هو وأهلهُ الثُّلثَ] اهـ.
والقول باستحباب تقسيم الأضحية المعهودة أثلاثًا هو مذهب جمهور الفقهاء من الحنفية، والشافعية في أحد القولين -وهو ما نص عليه الإمامُ البُوَيْطِي، وصحَّحه الإمامُ النَّوَوِي في "تصحيح التنبيه"-، والحنابلة، وأطلَق المالكيةُ القول في الاستحباب بأن يجمع المضحي في تقسيم الأضحية بين الأكل والصدقة والإعطاء بدون تقيُّدٍ في ذلك بثُلثٍ أو بغيره. ينظر: "تبيين الحقائق" للإمام فخر الدين الزَّيْلَعِي الحنفي (6/ 8، ط. الأميرية)، و"شرح مختصر الإمام ضياء الدين خليل" للإمام الخَرَشِي المالكي (3/ 39، ط. دار الفكر)، و"بحر المذهب" للإمام أبي المَحَاسِن الرُّويَانِي الشافعي (3/ 530، ط. دار الكتب العلمية)، و"مغني المحتاج" للإمام شمس الدين الخطيب الشِّرْبِينِي الشافعي (6/ 134، ط. دار الكتب العلمية)، و"المغني" للإمام مُوفَّق الدين ابن قُدَامَة الحنبلي (9/ 448).
أمَّا إذا كانت الأضحيةُ منذورةً فيُفرَّقُ بين حالتين:
الحالة الأولى: إذا كان الناذرُ قد حدد في نذرها كيفيةَ تقسيمها، ووجه التصرف فيها، كأن نذرها للفقراء والمساكين ونحو ذلك -فإنه يتعيَّن عليه صرفُها إلى الجهة التي حددها، وبالكيفية التي قررها في نذره؛ لعموم قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» متفق عليه من حديث أمير المؤمنين عُمر بن الخطاب رضي الله عنه، والمقاصد والنيات أمرٌ معتبرٌ في التصرفات من العبادات والعادات، كما في "الموافقات" للإمام الشَّاطِبِي (3/ 7، ط. دار ابن عفان)، و"المعتبر في النذور: النيةُ"، كما في "الذخيرة" للإمام شهاب الدين القَرَافِي (4/ 74، ط. دار الغرب الإسلامي)، ولأن كلَّ مَن ألزم نفسه شيئًا لله تعالى فقد تعيَّن عليه فرضُ الأداء فيه على الوجه الذي حدده وقيَّد به نفسَه ما لم يكن معصية.
قال الإمام الزُّرْقَانِي في "شرحه على موطأ الإمام مالك" في بيان الأحكام المستنبطة من قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللهَ فَلْيُطِعْهُ»: [«فَلْيُطِعْهُ» بالجزمِ جوابُ الشَّرطِ، والأمر للوجوبِ، فَينقَلبُ المُستحبُّ واجبًا بالنَّذرِ، ويَتقَيَّدُ بما قَيَّدهُ بهِ الناذرُ] اهـ.
الحالة الثانية: إذا لم يكن للناذر نيةٌ معيَّنةٌ في إخراج الأضحية المنذورة، وإنما كان قد نذرها نذرًا مُطلَقًا مِن غير تقيدٍ بجهة معينة كالفقراء والمساكين أو تعليق على شَرطِ حصول شيءٍ أو عدم حصوله، وفي هذه الحالة تفصيل:
فذهب الحنفية إلى أن الأضحية المنذورة تأخذ أحكام النذر، فيتصدق الناذر بجميعها للفقراء والمساكين، ولا يَحِلُّ له أن يأكل منها شيئًا، ولا أن يُطعم منها الأغنياء؛ لأنَّ سبيل هذا الدَّم هو التصدق، وليس للمتصدق أن يأكل شيئًا من صدقته أو يُهدي منها، إلا أن يقصد الناذرُ بنذره الإخبارَ عن الأضحية الواجبة عليه ابتداءً بإيجاب الشرع قبل النذر، فإنه يجوز له أن حينئذٍ أن يأكل منها، وكذلك يجوز له أن يُهدي منها ويُطعم الأغنياء ويفعل بها ما يفعل بالأضحية غير المنذورة؛ وإنما كان له ذلك كلُّه لأنه قصد الإخبارَ عما هو ملزَمٌ به وجوبًا بأصل الشرع -إذ الأضحية عندهم واجبة مع تحقق يسار المضحي كما بَيَّنَّا-، لا الإنشاءَ بإلزام نفسه بأضحيةٍ غير الأضحية التي أَلزمه بها الشرعُ وأَوجَبَها عليه، فصار النذر حينئذٍ إظهارًا لما هو واجب عليه بأصل الشرع ابتداءً، كمَن نذر أن يصلي الصلاة المفروضة فإن نذره هذا إخبار عن وجوبها عليه بأصل الشرع لا إيجابٌ منه لها.
قال الإمام ابن عَابِدِين في "رد المحتار" (6/ 327، ط. دار الفكر): [(قوله: ويأكل من لحم الأضحية... إلخ) هذا في الأضحية الواجبة والسُّنَّة سواءٌ إذا لم تكن واجبةً بالنذر، وإن وجبت به فلا يأكل منها شيئًا، ولا يُطعِم غنِيًّا، سواء كان الناذر غنِيًّا أو فقيرًا؛ لأن سبيلها التصدق وليس للمتصدق ذلك، ولو أَكَل فعليه قيمةُ ما أَكَل، زَيْلَعِي.. وقدَّمنا أنَّ مفاد كلامهم أنَّ الغنِيَّ له الأكل من المنذورة إذا قصد بنذره الإخبارَ عن الواجب عليه] اهـ.
وأما المالكية فقد أجازوا للناذر الأكل من الأضحية المنذورة التي لم يُعيِّنها الناذرُ للفقراء والمساكين، فإن عيَّنها لهم فلا يجوز له الأكل منها.
قال الإمام الخَرَشِي في "شرح مختصر خليل" (3/ 42، ط. دار الفكر) عند بيان حكم الأضحية: [فإن أوجبها بالنذر فحكمها في جواز البدل وغيره حكم الهدي قاله ابن عبد السلام، أي: فلا يجوز إبدالها، ويجوز الأكل منها إن لم يسمها للمساكين، فإن سماها لهم امتنع الأكل منها، وظاهره أنه لا فرق بين اختلاط الكلِّ أو الجزء] اهـ.
وأمَّا الشافعية فالمقرر في مذهبهم أن الأضحية تصير واجبة بالنذر والتعيين، فتخرج جميعها للفقراء والمساكين، ولا يجوز الأكل منها؛ حيث منعوا في الجملة أكلَ الإنسان مِن كلِّ ما وجب عليه، وإن اختلفوا في بعض الحالات، إلا أنهم نصوا على عدم جواز أكل الناذر مِن نذر المجازاة، وهو ما علَّقه الناذر على حصول شيءٍ أو عدم حصوله، كنحو تعليقِهِ التزام الأضحية بشفاء مريضٍ ونحوه.
أمَّا إذا كان نذرًا مطلقًا لم يعلِّقه الناذرُ على حصول شيء أو عدم حصوله، فإمَّا أن يكون المنذور به معيَّنًا في الذمة -كتعيينه ذبيحةً بعينها-، أو مرسَلًا من غير تعيين -كما في مسألتنا حيث لم يعيِّن جهتَها-، والأصح في الحالتين: عدم جواز الأكل، ومقابِلُه: جواز الأكل.
قال الإمام النَّوَوِي في "المجموع" (8/ 413، ط. دار الفكر): [إن كان نذر مجازاة، كالنذر لشفاء المريض، وقدوم الغائب، لم يجز أن يأكل منه؛ لأنه جزاءٌ، فلم يجز أن يأكل منه، كجزاء الصيد، فإن أكل شيئًا منه ضَمِنَهُ] اهـ.
وقال أيضًا (8/ 417): [وإنْ نَذَرَ نَذْرَ مجازاةٍ، كتعليقِهِ التزام الهدي أو الأضحية بشفاء المريض ونحوه، لم يجز الأكل منه أيضًا، كجزاء الصيد. ومقتضى كلام الأصحاب أنه لا فرق بين كون الملتزَم معيَّنًا أو مرسلًا في الذمة، فإن أطلقَ الالتزام فلم يُعلِّقه بشيء... فإن كان الملتزَم معيَّنًا بأن قال: "لله عليَّ أن أُضَحِّيَ بهذه"، أو "أُهْدِيَ هذه"، ففي جواز الأكل منها قولانِ ووجهٌ، أو ثلاثةُ أوجهٍ (أصحُّها) لا يجوز الأكل من الهدي ولا الأضحية، (والثاني) يجوز، (والثالث) يجوز من الأضحية دون الهدي... (أمَّا) إذا التزم في الذمة ثم عيَّن شاةً عما عليه، فإن لم نُجَوِّز الأكلَ مِن المعيَّنة ابتداءً فهاهنا أَوْلَى، وإلا فقولان أو وجهان، (الأصحُّ) لا يجوز] اهـ.
وقال الإمام شهاب الدين الرَّمْلِي في "حاشيته على أسنى المطالب" (1/ 545، ط. دار الكتاب العربي): [وبالجملة: فالمذهب منعُ الأكل من الواجبة مطلقًا، كما لا يجوز له أن يأكل من زكاته أو كفارته شيئًا] اهـ.
أمَّا الحنابلة فلهم في المسألة قولان:
الأول: عدم جواز الأكل من الأضحية المنذورة، بل تكون للفقراء والمساكين، وهو ظاهر كلام الإمام أحمد، قياسًا على الهدي المنذور.
والثاني: أن الأضحية المنذورة يُسْلَكُ بها في التقسيم مَسْلَك الأضحية المعهودة من استحباب تقسيمها ثلاثة أثلاثٍ؛ حيث إن المعهود في الأضحية هو ذبحها، والأكل منها، والنذر لا يغيِّر من ماهية المنذور، وهو المعتمد في المذهب.
قال الإمام مُوفَّق الدين ابن قُدَامَة في "المغني" (9/ 457) في بيان حكم من نذر أضحيةً في ذمته ثم ذبحها: [قال القاضي: مِن أصحابنا من منع الأكل منها. وهو ظاهر كلام أحمد، وبناه على الهدي المنذور، ولنا: أن النذر محمولٌ على المعهود، والمعهود من الأضحية الشرعية ذبحُها، والأكلُ منها، والنذرُ لا يغيِّر من صفة المنذور إلا الإيجاب] اهـ.
وقال الإمام أبو السعادات البُهُوتِي في "كشاف القناع" (3/ 22، ط. دار الكتب العلمية) في بيان أحكام الأضحية: [(والسُّنَّةُ: أكل ثُلثِها، وإهداء ثُلثِها ولو لِغَنيٍّ، ولَا يَجِبَان) أي: الأكلُ والإهداءُ... (والصَّدقةِ بِثُلثِها، ولو كانت) الأضحية (منذورةً أو معيَّنةً)] اهـ.
ويظهر مما سبق أن مسألة تقسيم الأضحية المنذورة أثلاثًا كما تُقسَم الأضحيةُ المسنونةُ من المسائل التي حصل فيها الخلافُ بين الفقهاء، ومذهبُ الحنابلة جوازُ ذلك ومشروعيتُه، وقد تقرر في قواعد الشرع أنه "لَا يُنْكَرُ الْمُخْتَلَفُ فِيهِ، وَإِنَّمَا يُنْكَرُ الْمُجْمَعُ عَلَيْهِ"، كما في "الأشباه والنظائر" للإمام الحافظ السُّيُوطِي (ص: 237، ط. دار الكتب العلمية).
كما نص الفقهاء والأصوليون على أنَّ أفعال العَوَامِّ -الذين لا يلتزمون مذهبًا معيَّنًا- بعد صدُورِها منهم محمولةٌ على ما صَحَّ من مذاهب المُجتهدين ممن يقول بالحِلِّ أو بالصِّحَّة؛ إذ مرادُ الشرع الشريف تصحيحُ أفعال المكلَّفين وعباداتهم وعقودهم ومعاملاتهم مهما أمكن ذلك.
قال الإمام زين الدين ابن نُجَيْم في "البحر الرائق" (2/ 90، ط. دار الكتاب الإسلامي) في بيان الحكم على أفعال العَوَامِّ في ضوء المذاهب الفقهية: [وإن كان عامِّيًّا ليس له مذهبٌ معيَّنٌ فمذهبه فتوى مُفْتِيهِ كما صرحوا به... وإن لم يَسْتَفْتِ أحدًا، وصادَفَ الصحةَ على مذهب مجتهدٍ: أجزأه، ولا إعادة عليه] اهـ.
وهذا هو الذي جرى عليه العمل في دار الإفتاء المصرية في عهودها المختلفة.
قال العلامة الشيخ محمد بخيت المُطِيعِي -مفتي الديار المصرية الأسبق- في "الفتاوى" (1/ 225، ط. دار وهبة): [متى وافَقَ عملُ العَامِّيِّ مذهبًا من مذاهب المجتهدين ممن يقول بالحِلِّ أو بالطهارة كفاهُ ذلك، ولا إثم عليه اتفاقًا] اهـ.
بناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فإن ما فعله الرجل المذكور من تقسيم الأضحية المنذورة غير المعيَّنة لجهةٍ محددةٍ -كالفقراء والمساكين أو غيرهم- أثلاثًا كشأن المستحب في الأضحية المعهودة، بأن ادَّخَر ثُلُثَها، وأخرَج باقيها ما بين هدية وصدقة -هو تصرفٌ صحيحٌ وجائزٌ شرعًا، ولا إثم عليه في ذلك ولا حرج.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
ما حكم أكل لحم الضب، هل حرامٌ أو حلالٌ بموجب السنة المحمدية؟
متى شرعت الأضحية على الأمة المحمدية؟ وما الحكمة من مشروعيتها؟
ما حكم الأضحية إذا انتشر في الحيوانات مرض وبائي؟ نظرًا لانتشار أمراض جنون البقر والحُمَّى القلاعية في البلاد التي نعيش فيها حيث من الممكن أن تصاب الأضحية بهذه الأمراض التي تؤثر على الإنسان وتصيبه؛ هل من الممكن إخراج ثمن هذه الأضحية بدلًا من ذبحها، وما هي البدائل المتاحة؟
ما حكم من نذر صيامًا دون تحديد الوقت وعدد الأيام؟ لأن السائل يقول: نذرت أن أصوم لله تعالى إذا تحقّق لي أمرٌ معيّن، وقد تحقّق هذا الأمر، ولكن لم أُعيّن وقت الصوم ولا عدد الأيام؛ فما الذي يجب عليّ أن أفعله؟
ما حكم بيع شيء من الأضحية؟ فقد تيسَّر لنا بفضل الله تعالى شراء كبش الأضحية وربَّما لا تتيسَّر لنا أجرة الجزار؛ فهل يجوز لنا بيع شيء من لحمه لغير الجزار لإعطاء الجزار أجرته؟
ما حكم العقيقة؟ وهل يستوي فيها الذكر والأنثى؟ وما كيفية توزيعها؟ وما حكم المستطيع الذي ترك العقيقة عن أولاده؟