ما حكم تقصير الوكيل في نيابته في رَمْي الجمار؟ فقد قام أحد الحُجَّاج مِن قريتي في نفس الفوج بإنابتي عنه في القيام برمي جمرة العقبة؛ وذلك لعدم قدرته على ذلك، ففعلتُ ذلك عنه، لكني قمت برميها جميعًا دفعة واحد، ولم أخبره بذلك الأمر حتى تُوفِّي، فما مدى صحة رمي الجمرات؟
ما قمتَ به من رَمْي الجمار دَفْعة واحدة عن جارك بعد إنابته لك صحيحٌ مجزئٌ، ولا يلزمك شيء مِن فدية أو غيرها؛ عملًا بقول من أجاز ذلك مِن الفقهاء، والأَوْلَى والأَفضَل في قابل الأيام إذا وُفِّقت لأداء الحج مَرَّة أخرى هو التفريق بين الحصيات السَّبْع عند الرمي -بأن ترمي كلَّ حصاةٍ بانفرادها واحدةً واحدةً؛ خروجًا من خلاف الفقهاء.
المحتويات
الحج من العبادات التي أناطها الله سبحانه وتعالى بالاستطاعة، قال تعالى: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا﴾ [آل عمران: 97].
وقد أجمع الفقهاء على أنَّ مَن عليه حجة الإِسلام وهو قادرٌ على أنْ يحج بنفسه، فلا يُجزئه أن يحج غيرُه عنه، كما في "الإشراف" للإمام ابن المنذر (3/ 389، ط. مكتبة مكة الثقافية)، و"المغني" للإمام موفَّق الدين ابن قدامة (3/ 223، ط. مكتبة القاهرة).
أَمَّا العاجزُ الذي لا يُرجَى زوال عجزه إذا وَجَد مَن ينوب عنه في أداء الفريضة، فيجوز -على المختار للفتوى- أن ينيب غيره عنه في أداء الفريضة، بناء على ما صَرَّح به الحنفية والشافعية والحنابلة من مشروعية النيابة في الحج إذا توافرت شروطها، والتي منها: أن يكون المحجوج عنه عاجزًا عن أداء الحج بنفسه، ووافقهم في ذلك المالكية في قولٍ، كما تقرَّر في "البناية" لبدر الدين العَيْني الحنفي (4/ 470، ط. دار الكتب العلمية)، و"الذخيرة" للقرافي المالكي (3/ 193، ط. دار الغرب الإسلامي)، و"أسنى المطالب" لشيخ الإسلام زكريا الأنصاري الشافعي (1/ 450، ط. دار الكتاب الإسلامي)، و"شرح المنتهى" للبُهُوتي الحنبلي (1/ 519، ط. عالم الكتب).
الأصل في جواز النيابة عن الغير في الحج: ما ورد عن أبي رَزِينٍ العُقَيْلِي رضي الله عنه قال: قلتُ: يا رسول الله، إنَّ أبي شيخٌ كبير لا يستطيع الحجَّ ولا العمرة ولا الظَّعْن، قال: «حُجَّ عَنْ أَبِيكَ وَاعْتَمِرْ» أخرجه الترمذي وأبو داود وابن ماجه في "سننهم"، وأحمد في "مسنده"، والحاكم في "المستدرك"، وقال: "هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ".
وعن عبد الله بن بريدة، عن أبيه رضي الله عنه، قال: بَيْنَما أَنَا جَالِسٌ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِه وسَلَّمَ، إِذْ أَتَتْهُ امْرَأَةٌ، فَقَالَتْ: إِنِّي تَصَدَّقْتُ عَلَى أُمِّي بِجَارِيَةٍ، وَإِنَّهَا مَاتَتْ، قَالَ: فَقَالَ: «وَجَبَ أَجْرُكِ، وَرَدَّهَا عَلَيْكِ الْمِيرَاثُ». قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّهُ كَانَ عَلَيْهَا صَوْمُ شَهْرٍ، أَفَأَصُومُ عَنْهَا؟ قَالَ: «صُومِي عَنْهَا». قَالَتْ: إِنَّهَا لَمْ تَحُجَّ قَطُّ، أَفَأَحُجُّ عَنْهَا؟ قَالَ: «حُجِّي عَنْهَا» رواه مسلم.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وآله وسلم سَمِعَ رَجُلًا يَقُولُ: لَبَّيْكَ عَنْ شُبْرُمَةَ. قَالَ: «مَنْ شُبْرُمَةُ؟» قَالَ: أَخٌ لِي -أَوْ قَرِيبٌ لِي- قَالَ: «حَجَجْتَ عَنْ نَفْسِكَ؟» قَالَ: لَا. قَالَ: «حُجَّ عَنْ نَفْسِكَ ثُمَّ حُجَّ عَنْ شُبْرُمَةَ» رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه في "سننهم".
فقد أجاز النبي صلى الله عليه وآله وسلم النيابةَ في الحج عن الغير بالسُّنَّةِ القوليةِ والتقريريةِ، وذلك باعتبار عجز الواجب عليه الحج أن يؤديه بنفسه.
من شروط النيابة في الحج عن الحي التي نَصَّ عليها الجمهور أيضًا: تَوقُّفها على إذن المحجوجِ عنه؛ لأنَّ الحج يفتقر إلى النية، ونيةُ الحي كإذنه، وعلى ذلك فقد أجاز الفقهاء الوكالة والنيابة في القيام بأداء بعض أعمال الحج، كرمي الجمرات، وذلك إذا عَجَز الحاج عن أداء الرمي بنفسه، سواء كان ذلك العجز لمرض يمنعه، أو حبسٍ يحول بينه وبين القدرة على ذلك.
ومن مقتضيات الوكالة أنَّه يجب على الوكيل الالتزام بما وُكِّل فيه، ولا يجوز له البَدَل بغيره، أو التَّعدِّي في غير ما وُكِّل فيه؛ لأنَّه لا يجوز مخالفة الوكيل للموكِّل فيما وَكَّله فيه، فإن تعدَّى الموكِّل وأمضاه الوكيل فلا بأس، وإلَّا لا يَنْفُذ على الموكِّل، وذلك لأنَّ مقصد الموكِّل مراعى لا ينبغي إهداره تغييرًا أو تَعدِّيًا.
ويرى جمهور الفقهاء من الحنفيَّة والمالكيَّة والشافعيَّة والحنابلة أنه يجب على الوكيل في رمي الجمرات التفريق بين الحصيات السَّبْع عند الرمي -بأن يرمي كلَّ حصاةٍ بانفرادها واحدةً واحدةً-؛ وذلك لأنَّ الرمي وَجَبَ تَعبُّدًا فيراعى فيه مورد التعبد، وقد ورد بتفريق الرميات، فوجب اعتباره.
قال العلَّامة الكاساني الحنفي في "بدائع الصنائع" (2/ 158، ط. دار الكتب العلمية): [فإن رمى إحدى الجمار بسبع حصيات جميعًا دفعةً واحدةً فهي عن واحدةٍ، ويرمي ستةً أخرى؛ لأنَّ التوقيف ورد بتفريق الرميات، فوجب اعتباره] اهـ.
وقال العلَّامة النفراوي المالكي في "الفواكه الدواني" (1/ 363، ط. دار الفكر): [فشرائط الصحة: كون المرمي حجرًا... وأن يرمي كلَّ حصاةٍ بانفرادها، فإن رمى بالسبع مرةً واحدةً اعْتد بواحدةٍ] اهـ.
وقال العلَّامة الخطيب الشربيني الشافعي في "مغني المحتاج" (2/ 276، ط. دار الكتب العلمية): [وللرمي شروط؛ ذكرها في قوله: (ويشترط) في رمي النحر وغيره (رمي) الحصيات (السبع واحدة واحدة) للاتباع، رواه مسلم، والمراد: بسبع رميات فيجزئ وإن وقعن معًا أو سبقت الأخيرة الأولى في الوقوع. فلو رمى السبع مرة واحدة أو حصاتين كذلك إحداهما بيمينه والأخرى بيساره لم يحسب إلَّا واحدة وإن تعاقب الوقوع] اهـ.
وقال العلَّامة أبو السَّعَادات البُهُوتِي الحنبلي في "الروض المربع" (ص: 278، ط. دار المؤيد): [(فإذا وصل إلى منى، وهي من وادي محسر إلى جمرة العقبة) بدأ بجمرة العقبة فـ(رماها بسبع حصيات متعاقبات) واحدة بعد واحدة، فلو رمى دفعة واحدة لم يجزئه إلا عن واحدة] اهـ.
وذهب عطاء إلى أنَّه إن رَمَى الحصيات السبع دفعةً واحدةً يجزئه ويُكَبِّر لكلِّ حصاةٍ، ونُقل عن الإمام أبي حنيفة أنه إذا وقعتِ السبع متفرقةً على مواضع الجمرات جاز، وإن وقعتْ على مكانٍ واحدٍ لا يجوز، وهو وجهٌ عند الشافعيَّة؛ حيث جاء في "مرعاة المفاتيح" (9/ 184، ط. الجامعة السلفية): [قال ابن قدامة: وإن رمى الحصاة دفعة واحدة لم يجزه إلا عن واحدة، نص عليه أحمد، وهو قول مالك والشافعي وأصحاب الرأي، وقال عطاء: يجزئه ويُكَبِّر لكلِّ حصاةٍ. انتهى.
وما ذكره الحافظ من موافقة أبي حنيفة لعطاء في إجزاء رمي السبع دفعة واحدة لعله أخذه عن صاحب "التوضيح" من الشافعية كما سيأتي في كلام العيني أو عن الكرماني، فإنه ذهب إلى ذلك حيث قال: إذا وقعت السبع متفرقة على مواضع الجمرات جاز، كما لو جمع بين أسواط الحد بضربة واحدة وإن وقعت على مكان واحد لا يجوز، وليس هذا مشهورًا في مذهب الحنفيَّة، بل المصرح في فروعهم عدم الإجزاء مطلقًا كما هو قول الأئمة الثلاثة] اهـ.
وقال الإمام أبو القاسم الرافعي في "الشرح الكبير" (3/ 439، ط. دار الكتب العلمية): [ولو رمى حصاتين معًا نظر إن وقعتَا معًا فالمحسوب رميةٌ واحدةٌ، وكذا لو رمى سبعًا دفعةً واحدةً ووقعت دفعة واحدة أو مرتبًا في الوقوع فرمية لاتحاد الرمي، أو رميتان لتعدد الوقوع؟ فيه وجهان: أصحهما: أولهما، وهو المذكور في الكتاب، ويروى الثاني عن أبي حنيفة رحمه الله، ولو أتبع الحجَرَ الحَجَرَ ووقعت الأولى قبل الثانية فهما رميتان، وإن تساويتا في الوقوع ففيه الوجهان، والأصح -وهو المذكور في الكتاب-: أنهما رميتان، وأجروا الوجهين فيما لَوْ وقعت الثَّانِيةُ قَبْلَ الأولَى] اهـ.
وقال الإمام النووي الشافعي في "المجموع" (8/ 176، ط. دار الفكر): [وحكى إمام الحرمين ومَن تابعه وجهًا شاذًّا ضعيفًا أنه يحسب بعدد الحصيات المترتبات في الوقوع] اهـ.
والأَوْلَى بالاختيار ما ذهب إليه جمهور الفقهاء مِن القول بوجوب التفريق بين الحصيات السَّبْع في الرَّمي، بيد أنه لما كان الرَّمي قد تَمَّ من الوكيل دَفْعة واحدة فيصحح هذا الفعل بناءً على ما ذهب إليه عطاء ومَن وافقه من القول بإجزاء رمي الحصيات مجتمعات في هذه الحالة، لا سيما وأنَّه قد جرى الفقهاء والأصوليون على حَمْل أفعال المكلفين على الصحة إذا وافقت قول أحد المجتهدين، فإن مراد الشرع تصحيح أفعال المكلفين ما أمكن.
قال العلَّامة ابن نُجيم الحنفي في "البحر الرائق" (2/ 90، ط. دار الكتاب الإسلامي): [وإن لم يستفت أحدًا وصادف الصحة على مذهب مجتهدٍ: أجزأه ولا إعادة عليه] اهـ.
وهذا هو المعتمد في الفتوى، وهو الذي جرت عليه دار الإفتاء المصرية في عهودها المختلفة؛ قال العلامة محمد بخيت المطيعي مفتي الديار المصرية الأسبق في "الفتاوى" (1/ 225، ط. دار وهبة): [متى وافق عمل العامي مذهبًا من مذاهب المجتهدين ممن يقول بالحل أو بالطهارة كفاهُ ذلك، ولا إثم عليه اتفاقًا] اهـ.
بناء على ذلك وفي واقعة السؤال: فإن ما قمتَ به من رَمْي الجمار دَفْعة واحدة عن جارك بعد إنابته لك صحيحٌ مجزئٌ، ولا يلزمك شيء مِن فدية أو غيرها؛ عملًا بقول من أجاز ذلك مِن الفقهاء، والأَوْلَى والأَفضَل في قابل الأيام إذا وُفِّقت لأداء الحج مَرَّة أخرى هو التفريق بين الحصيات السَّبْع عند الرمي -بأن ترمي كلَّ حصاةٍ بانفرادها واحدةً واحدةً؛ خروجًا من خلاف الفقهاء.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
هل يجوز رمي الحصيات السبع دفعة واحدة؟ فأثناء رمي جمرة العقبة يحصل زحام شديد، فيقوم بعض الناس برمي الحصيات كلها دفعةً واحدةً؛ فما حكم ذلك شرعًا؟
ما حكم الحج والعمرة لمن يقوم بمساعدة غيره في أداء المناسك؟ فوالدتي سيدة كبيرة ولا تستطيع الحركة بمفردها، ولذلك سأكون معها بالكرسي المتحرك في الطواف والسعي، هل مناسك العمرة والحج بالنسبة لي تكون صحيحة أو أنه لا بد أن أساعد والدتي أولًا حتى تنتهي هي من طوافها وسعيها ثم أؤدي المناسك الخاصة بي؟
ما حكم تقصير بعض شعر الرأس عند التحلل من العمرة بالنسبة للرجال؟ فأنا سافرت أنا ومجموعة من الأصدقاء إلى بيت الله الحرام بمكة المكرمة لأداء العمرة، وبعد أن انتهينا من المناسك، ذهبنا إلى الحلاق وطلبت منه أن يقص لي أطراف شعر رأسي من جوانبه فقط، فأخبرني أحد أصدقائي الذين كانوا معي أنه يجب علينا أن نحلق جميع شعر الرأس لنتحلل، فما الحكم الشرعي في ذلك؟
ما حكم ركعتي الطواف؟ فهناك رجلٌ أكرمه الله تعالى بالعمرة، وبعد الانتهاء من الطواف أخبره أحد الأشخاص بأنَّ عليه أنْ يصلي ركعتين مخصوصتين للطواف. فما حكم هاتين الركعتين؟
عندما قمت بالمناسك رأيت في الطواف أن الرجال يسرعون في بعض طوافهم دون النساء؛ فعلمت أن المرأة لا تَرْمُل في الطواف؛ فما الحكمة من عدم إسراع المرأة في طوافها؟
ما حكم المبيت بالمزدلفة؟ وما مقدار المُكُوث بها الذي يَفي بغرض المبيت؟ وما حكم مَن تركها بعذرٍ أو بدون عذر؟